بقلم … درصاف بندحر
تونس
الدنجوان (Don Juan) شخصية أسطورية في الفولكلور الإسباني ولدت سنة 1630 من خلال مسرحية عنونها” مغوي اشبيلية” (El Burlador de Sevilio) كتبها المؤلف الاسباني تيرسو دي مولينا ( Tirso de Molina) وترمز أسطورة دون جوان عند تيرسو دي مولينا إلى فساد مرحلة تاريخية بأكملها، ظاهرها ُتقىً وباطنها فساد.
إلا أن شخصية الدونجوان تدين بشهرتها في المقام الأول إلى الكاتب المسرحي الفرنسي موليير Molière الذي كتب مسرحية “دون جوان ” سنة 1665.
بطل الأسطورة المسرحية شاب مخاتل يخفي شخصيته عن العامة و يقوم بإغواء النساء. دونجوان هو كذلك رجل مفكر إذ يجد دائما تبريرا لتجاوزاته. تبرير بحمل في طياته إيديولوجية مناهضة للمسيحية آنذاك.
و لئن ألهمت أسطورة الدونجوان العديد من الشعراء والموسيقيين و السينمائيين فإن علماء النفس قد انكبوا كذلك على دارسة هذه الشخصية ومن بينهم كارل غوستاف يونغ (Carl Jung) وهو عالم نفس سويسري عاش بين سنتي1875و 1961 وهو مؤسس علم النفس التحليلي توصل إلى أن الدنجوانية “رغبة لا شعورية من رجل يبحث من خلالها عن أمه في كل النساء اللاتي يواجههن.”
يؤكد التحليل النفسي المعاصر على أن الشخصية الدنجوانية هي شخصية تعرضت لكراهية دفينة في فترة الطفولة وبالتالي فإن كرهها لهذا الواقع النفسي يدفعها إلى تجنب هذا الألم وإنكاره بالتعويض عن الحرمان العاطفي. يتم هذا التعويض عن طريق ربط علاقات عابرة و مؤقتة وزائفة مع الكثير من النساء.
إذا وجود الشخصية الدنجوانية يفترض وجود نساء يمارس عليهن سلوكا مخصوصا حتى يعزز الدنجوان شعوره بكونه شخصا مرغوبا فيه.
وهناك نمطان للشخصية الدنجوانية :
-الدنجوان الوسيم والذي يستعمل وسامته لإغواء النساء.
-الدنجوان غير الوسيم و الذي يعوض عن عدم و سامته بتميزه بالذكاء و الجرأة و تخطي الحدود والإقدام مما يجعل منه شخصا جذابا و قادرا على اختراق مجال العديد من النساء.
فماهي السلوكات التي يتبعها الدنجواني مع النساء؟
الشخصية الدنجوانية، ليست شخصية فطرية، فهو في سعي دائم لتطوير مهاراته الاجتماعية، حيث يتمتع بسرعة التعلم والتأقلم مع مختلف الشخصيات وهو ما يتطلب مهارات اجتماعية وقدرة كبيرة على فهم أمزجة النساء اللاتي يتسلل إلى عالمهن بتعلات مختلفة كالزمالة أو وجود أصدقاء مشتركين ..وتستعمل الشخصية الدنجوانية الحيلة والخيال في التعاطي مع النساء ويتقمص أدوارا كممثل في مسرحية وتكون غايته اللعب والتسلية وتنحصر متعته في إحراج المرأة ومضايقتها. المرأة بالنسبة له ليست سوى وسيلة لإشباع غروره واستعادة ثقته بنفسه التي فقدها طفلا..ويتقن الدنجواني لعب دور الحضور والغياب..الاهتمام واللامبالاة ..مديح المرأة والتقليل من شأنها ..كل ذلك مرة بمرة لتسهل سيطرته النفسية على ضحاياه.
ومع تطور وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الشخصية الدنجوانية مجالا آمنا و سريا لممارسة أسالبيها في نسج الخيال بواسطة الكلام المعسول والذي يقوم “الدونجوان” بصياغته مسبقا وإعادته بمناسبة الحديث مع كل ضحية للتمكن من السيطرة عليها نفسيا و الوصول إلى النتيجه المرجوة وهي القبول به لتمضية الوقت..تتساوى لديه النساء جميعاً .. إنه يتواصل مع كل النساء بالطريقة ذاتها ..بالنسبة إليه كل الورود لها ذات الرائحة مما يغيب عنده تقاليد الخطاب الغزلي المتنوع ليحضر لديه التنميط اللغوي الجاهز.
ولا تنحصر الشخصية الدنجواية في فئة معينة من الناس أو ترتبط بسن محدد أو مستوى علمي أو ثقافي بذاته بل تشمل حتى أصحاب الواجهات الاجتماعية المحترمة و البارزين في ميادين مرموقة و الذين يجدون في وسائل التواصل الاجتماعي ميدانا يوفر الحرية والسرية لممارساتهم.
أما أهداف ( Les Cibles) الشخصية الدنجواية فهن دائما نساء متميزات. وهن متساويات بالنسبة إليه إذ يستعمل معهن سواء بالتزامن أو بصورة متتالية، خطابا نمطيا. هو لا يعنيه من أمرهن سوى أنهن يدعمن شعوره بالتحدي ليثبت لنفسه من خلال التواصل معهن أنه قادر على جذب الاهتمام . وبذلك تصبح ممارسات الشخصية الدنجوانية منهجا له في الحياة يسعى من خلالها إلى التعويض عن الشعور بالنقص.
يتزوج الدنجواني ولكنه لا يتوقف عن العلاقات أو البحث عن نساء أخريات ليشعر دائما أنه في مغامرة عاطفية. وهو ما يجعل استمرار زوجة الشخص الدنجواني في مؤسسة الزواج مرتبط بمدى قدرتها على التحمل و والتفهم والعطاء دون انتظار المقابل إلا ما ُيمن به عليها.
بالنتيجة، لكل وهمه الذي يهرب به من الواقع المؤلم ولكن الفرق شاسع بين من يهرب إلى أماكن تعزز معنى وجوده وتوطد علاقته بمحيطه فتخفف عنه وطأة هذا الواقع بل وقد تجمله، وبين من يدفعه السعي إلى التخلص من الألم إلى الشعور بالعبث وفقدان كل معنى للحياة وللمحيطين به..عبثا يبيح له استعمال الآخر وقودا تحت أقنعة ومسميات مختلفة.
بقلم ….درصاف بندحر
تونس
Discussion about this post