الكينغ يكتب
(معذرة يا أمّي، ولكنّني لستُ نادمًا واللّه):
: ماتت أمّي (الحاجّة فضيلة) منذ 23 سنة، وفي نفسها بعض الحسرة، أنّني لم أوفّق، رغم تفوّقي في الدّراسة، في أن أكون محاميّا أو قاضيا أو ضابطا مرموقا أو موظّفا كبيرًا، في بلده، تُفاخر به الجيران والأهل….ويا ما حاولت إقناعها، بأنّني لا أصلح لأيّ مهمّة أو وظيفة غير الكتابة. لكنّ أمّي، رحمها الله، كانت عنيدة…والنّجاح بالنّسبة لها، مرتبط بوظيفة حكوميّة… ومكتب وعنوان واضح….ومهنة واضحة. تخرج في الصّباح وتعود بعد الدّوام…وأنا لا ألومها، ولم أفعل، فجميع الأمّهات تقريبا كذلك، وهكذا من المفروض أن تكون عليه مسطرة النّجاح في الحياة بمقاييس الأمّهات وفق ما هوّ سائد ومعروف ومعمول به…
ولكن…وبصدق: لااااااا شيء..لا شيء في الكون ولا في هذه الدّنيا الفانيّة، يُعادل متعة وروعة ونشوة أن تكون كاتبا متصالحًا مع ذاتك وقناعاتك و صادقا مع نفسك ومع من حولك و مُتميّزا ولك قراء أوفياء وكتبك موزّعة بين رفوف مكتبات قرّاء يُحبُّونك بصدق، رغم كلّ عيُوبك. وبينهم السّكّير والإمام. السّاقط والفاضل. الخسيس والنّبيل. الشياطين والملائكة. ومكرّما حيثما كنت. ومسرحياتك الورقيّة تعرض في المسارح وأعمالك الابداعيّة تُحوّل إلى أشرطة إبداعيّة، تبقى بعدك. وأفكارك تطير بأجنحة وبلغات عديدة….لااااا شيء على الإطلاق. مهنة رئيس دولة عظمى أمامها تدعو للشّفقة ولله, ويا كم من رئيس جبّار تنحني له الجبابرة, طمع أن يكون أيضا كاتبا، ألم يموّل هتلر حزبه بكتاب (كفاحي) قبل تولي الحكم؟..ألم يكن تشرشل ينسى تمرير تفكيك شفرة برقيات اقتراب سفن العدّو النازي الكارثي من اسطول سفنه، وهو ينتظر متوترا برقية ناشر كتابه الجديد قبل حصوله على جائزة نوبل للآداب؟؟..ألم يبكي صدام حسين وهو يتسلم أول نسخة من كتابه الذي ألفه له كاتب مصري معروف ؟؟…ألم يتطاول القذافي بين الأمم بكتابه الأخضر ؟!….
قلّي بربّك…قل لي، بكم تشترى رسالة من سبعة أسطر، يعترف لك فيها قارئ أنه انشغل عن كآبته المُزمنة أو حتّى عمّا هوّ أسوأ، بإنتظار نصّك اللاّحق….بكم تبيع شهقة امرأة، لا تعرفها ولا تدري من اي بلد هيّ تحديدا ولا تعرف حتّى ملامحها أو سنّها. تكتب لك آخر أعقاب الليل:
((لقد كنت ملاذي وحُجّتي وبياني، حين مادت بي الأرض وكانت نصوصك عزائي وكانت والله صوتي المكتوم، فشكرا أنّك ترانا…الله يرحم البطن التى انجبتك…أبوس رأسك، ليتني أحضنك يا أخي الذي لم تنجبه أمي. ))
…بكم بربكم ؟؟..بكم تشترونها، وكم تدفعون فيها ؟؟…
كنوز الدّنيا وجاه جلالة نور ربّي، لا تكفي، يا أمّي….
د.- (كمال العيّادي الكينغ)
Discussion about this post