يلوث الشّاعرُ أصابعه بالبحرِ
_____________
بقلم … على المجنين
أحبُّ الغناء الأوبرالي،
حيث أصواتٌ كثيرةٌ تتمازج في خفةٍ،
تتمازج ولا يتشظى اللّحن،
حتّى أن اللّحن لا يخرج في نزهة خارج ذاكرة الوتر والكمنجة،
حيث الطّفل يُغني بصوت حالم،
والمرأةُ تُغني بصوت حاد وحزين،
والرّجل يبتلع حانة كاملة ويُصفر،
والشّجرةٌ تهدهد فروعها
والقطط تحتك ببعضها البعض في ألفة
والعصافيرُ ..
العصافيرُ تدوزن ولا يموت اللّحن !
لا أجيد الغناء الأوبرالي
فأنا حين أكون بمفردي ابكي،
وحين اتشظى واصير صديقا لنفسي
أعانقنيّ وانفجرُ ضاحكا
كبالونة تُنفخُ بشدة ، بشدة حتّى تنفجر ولا يحزن أحد
لأنّي لا أجيد الغناء
لوثت أصابعي بالبحرِ
فطَفَت فوق إبهامي مراكبُ غارقة منذ عهد الاسكندر
طَفَت جثةٌ جميلة لأمرأة زنجية الملامح
طَفَا طفل يمسك بمركبه الورقي
طَفَا جنديٌ لا يزال فمه عند أوّل النّشيد
طَفَا سمكٌ بأجساد جائع
طَفَت مدينةٌ لا تشبه إلا “طليطلة”
طَفَا أبي بوجهه الحزين ذاته
طَفَا صديقٌ ليّ ،
أو صديق لأحد ما
صديقٌ مات دفعة واحدة
عانق موجة واحدة
شهق لمرة واحدة
ودع الجميع بتلويحة واحدة
وغرق!
على إبهامي الصّغير طفا حشدٌ من الغرباء
الغرباء الذين يشبهون الموتى
الذين يشبهون اللّحن الأوبرالي!
لوثتُ أصابعي بالبحرِ
لأنّي لا أجيد السِّباحة ،
مع آخر طافٍ،
غرِقتُ في سبابتي!
أحبُّ المُوسيقى الزُّجاجية
تلك التي تكسرُ كؤوس الخمر العتيقة
فترقصُ اللّحظة كأشلاء
أو كنتف قطن
فيتطاير الوقتُ،
أحبُّ الرقص بمفردي،
والسّقوطُ في النغمة الأوّلى،
والبكاء على امرأة لا تُحبّ أيّ نوعا من المُوسيقى
أوّل جرأة ارتكبتها في الحب!
تُسمّى مريم ، امرأة طيبة كزنبقة
تعانق اللّيل .. فتمحو الظّنون نصف السّيئة عن الظّلام
تداعبُ قلبي البارد بعينين دافئتين
تُخبأني في صدرها الحزين
قبل أنّ تخلق مريم
كنت لا أحبّ المُوسيقى الزُّجاجية
ولكن قبل أن تغرق مريمُ في الغياب
ولأنها امرأة غيورة كالوردة
علّمتني السِّر الأعظم للمُوسيقى المُتكسرة
دربتني على الحنين
فصرت لا أرقص إلّا وحدي،
لا احبُّ النساء اللائي لا يحببن أيّ نوعا من المُوسيقى!
ولأنّي لوثتُ أصابعي بالبحر ،
غرقت مريم
وحين طفا الجميع فوق إبهامي الصغير
غرقت مريم أيضا..ولكن في أصابع أخرى
ولأني أنتظرت مريم في “ميارم” أخريات
لم تأتي!
ولأنّ الغناء الأوبرالي هو أكثر من أغنية و نشيد
كانت مريمُ، أكثر من أغاني وأناشيد وأطفال ونساء وأشجار وقطط ،
ولأنني لم أكن إلا شاعرا لوث أصابعه بالبحر،
ندهتُ على “مريم”
وضعت في غياهب التّشظي والوحدة والبكاء
صرتُ ضئيلا من شدة الشّوق،
وغرقتُ في أصبع لم يُسمى بعد، رُبّما في أصبع بين مريم وأخرى
بقلم …..علي المجنين ….السودان
Discussion about this post