الأديب حافظ محفوظ يكتب …قصّتان قصيرتان جدّا

1 … الحبّ كلُّهُ

حين كنتُ داخل البيت، لاحظتُ أنّ القطّ قد ازداد حجمًا منذ آخر زيارة لي إلى بيت أختي التي تدعوني مرّة في الشّهر لنتناول العشاء معًا على موسيقى أمّ كلثوم كما كنّا نفعل في بيتنا حين كان أبي وأمّي على قيد الحياة. ماتت أمّي قبل أبي بثلاث سنوات. فانتقل للعيش في بيت أختي التي حاولت جهدها أخذ مكان الوالدة في كلّ شؤونه. وحين مات أبي منذ سنة تقريبا أخذت أنا مكانه. صرت أزورها مرّة كلّ آخر شهر ونستمع سويّا إلى نفس أغنية أمّ كلثوم ونحن نتناول العشاء… تلك الأغنية التي تقول : الحُبِّ كُلُّو حَبٍّيتُو فِيكْ وزَمَانِي كُلُّو أَنَا عِشْتُو لِيكْ…

2

لم أتعوّد منه ذاك السّلوك…

قطُّ أختي الذي لاحظت أنّ حجمه ازداد كثيرا خلال زيارتي الأخيرة إلى بيتها لم يرفع عينيه عنّي طوال العشاء. هو لم يكن جائعا ينتظر أن أمدّ له بعض الطّعام ولم أتعوّد منه ذاك السّلوك الغريب. جلس في طرف الأريكة واضعا قائمتيه الأماميّتين تحته وثبّت رأسه بطريقة تجعل عينيه قبالتي تماما. لم يغيّر من هيأته ولم يرفع نظره عنّي. وكان من حين إلى حين يغمض عينيه وينوس. فأستغلّ تلك الفرصة لآكل بأكثر سرعةٍ. ولا أدري لماذا كنت أفعل ذلك. بعد أن أكملنا العشاء وانتهت أغنية أمّ كلثوم قفز القطّ السّمين من أريكته وانصرف متبخترا. قلت في نفسي. الأكيد أنّه يحفظ حركاتي.