بقلم الأديب والإعلامي … داود أبو شقرة
ماذا يعني قرار وزارة الخزانة الأميركية ؟!
إن هذا الإعلان هو ليس رفعا للحظر لمدة ستة أشهر كما يبدو للوهلة الأولى. بل هو رفع حظر مشروط، وجزئي، عما أسمته “المواد الإغاثية”، وهذا يعني فيما يعنيه، أن المقص بيد الخياط يفصل فيه ما يريد.
فعلى سبيل المثال: يمكن النظر إلى مادة الذرة الصفراء، على أنها مادة غير إغاثية، وكذلك زيت النخيل على اعتبار أنه يمكن أن يتم استيلاد الطاقة منه، وبالتالي يصنف كمادة خطرة. لذلك يتم منعه. ويمكن النظر إلى أي مادة كيماوية، على أنها خطرة، لاستخراج الغاز، من روث البقر على أنه يشكل خطراً على أنبوب الغاز القطري، ويمكن تصنيع قنابل غازية لقصف المدنيين.
المقصود أنه عندما يكون القرار بيد العدو، ينطبق عندها عليه قول المتنبي: “أنت الخصم والحكم”.
إن قرارا يصدر عن وزارة في الحكومة الأميركية، يعد استعلاء على العالم، ودول العالم، وليس على سورية المقصودة بقرار الحظر فحسب، إنه يعد العالم ودوله تابعة للحكومة الأميركية، وخاضعة_خاشعة لأوامر وزارة الخزانة الأميركية، وهذه الوزارة هي الرقيب، والمنفذ، ولديها ٱليات تنفيذ هذا القرار.
إن هذا القرار يعيد للأذهان القرار الأميركي الجائر على العراق الشقيق، المسمى “النفط مقابل الغذاء والدواء”.
بذلك القرار نهبت أميركا ودول الغرب التابعة لها النفط العراقي، مقابل الغذاء، وهو يعتبر العراق صحراء لا غذاء فيها، وان أغذية العراق ستأتي من الغرب، وهذه سرقة ثانية غير ملحوظة، لكنها موصوفة، ففي حين يتم نهب ثروات العراق الغذائية تحت عنوان أنها تقدم سلالات غذائية يقال إن الغرب يقدم للعراقيين الغذاء. تماما كما أصادر دارك وبستانك ثم أعطيك سلة غذائية كل ثلاثة أشهر.
إن وزارة الخزانة الاميركية، تتعامل مع الدول الدائرة في فلكها على أنها (تابعة)، وتتعامل مع بقية دول العالم على أنها (خاضعة)، وبالتالي، لم يصدر قرار رفع الحظر الجزئي والموقوت من الرئاسة الأميركية، ولا من الكونغرس، بل صدر عن وزارة الخزانة، وهذا له مداليله الكثيرة.
لقد كتبت _ يومئذٍ_ تفسيرا لقرار (النفط مقابل الغذاء والدواء) الذي فرضته واشنطن على العراق عندما كنت ماأزال امارس مهنة الصحافة، فخالفني الكثيرون، وربما اتهمني البعض بأن فهمي قاصر، ولكن عندما زرت العراق، والبصرة تحديدا تأكدت من مفاعيل القرار الذي حرم أصحاب الأرض من خيراتهم، فالبصرة التي تعوم على بحر من النفط تشكو القلة والفقر، في حين أن الكويت التي تعوم على البحر النفطي نفسه وتبعد عنها ستين كيلومترا، مدخول الفرد فيها خيالي. وإن قارنا البصرة بشمال العراق” كردستان” سنجد فارقاً هائلاً داخل الدولة نفسها، فماذا يعني هذا أيها المتحذلقون الذين لا عمل لكم سوى مهاجمة الأفكار التي تفتح نافذة للوعي!
إن قرار وزارة الخزانة الأميركية تجاه سورية، ليس قرارا إنسانيا، بقدر ما هو قرار يهدف إلى ذرِّ الرماد في العيون.
إنه تماما مثل القرار السعودي بفتح جسر جوي بين الرياض وتركيا وسورية. ومع ذلك لم تهبط اي طائرة سعودية في المطارات السورية خلال ثلاثة أيام. ربما تنتظر موت الضحايا تحت الأنقاض.
واخيرا هناك مثل إنكليزي يقول:
ثمة فارق بين ما تذرفه عين الصياد، وما تفعله أصبعه على زناد البندقية.
وكل قرار وخزائنكم الأميركية بخير يا حكام الضمير…
Discussion about this post