“كل متوقع غير آت ”
مقال نقدي أدبي وقراءة في الفصل الأول من رواية ضمير مستتر تحت عنوان ” وادي الزان”
للقاصة والروائية التونسية بسمة الشوالي
خبرت الكاتبة بسمة الشوالي
من خلال شخصية الأب” محمد” تجسيد الألم في لباس مغري وكأنه عشيق يحضر مراسم تشييع عشيقته للأبد ،فيرتب لنفسه جنازة الإستقالة من مهام الحياة ،بعد أن ضؤل مقامه في عيني نفسه بصورة تدريجية ،فتملكه العجز واستبدت به النظرة الدونية وعرجت به نحو البحث عن منفى للإقامة.
معجم لغوي ،يذهل القارئ وصور مكثفة تدغدغ المخيلة،فتتابع اللحظة .
“محمد ” الشخصية المتحركة والفاعلة ،باتت تبحث لها عن منفى تواري فيه خيباتها وخذلانها ،حسرة على ابنها الذي ضاع دمه هدرا واغتصابا وتوجعا للفاقة التي ألمت به وأبت أن تفارقه.
وأنت تخوض عباب أحداث الرواية في علاقتها بالشخصيات،عدل عقارب التركيز
واحزمها جيدا
حتى لا يتوه بك زمن القراءة فترتد على عقبيك لتلملم شمل انتظاراتك ففي قاموس الكاتبة ، ليس كل متوقع آت .
ولتكن صحوة شخصيات الرواية على مرأى من قلبك وعقلك .
“مالك” الشخصية الفتية،الفذة تتهاوى في عتمة توقف بوصلة الأم في ذات النقطة التي اغتيل فيها ابنها “مروان” واغتصب .
جريمة خالصة الأجر هكذا بدت لها بعد أن اندثرت
في الرفوف كضياع دم ابنها هدرا .
وظل مالك دليلها الذي تتخبط فيه والقشة التي تتمسك بها ،بصيص نور توقده عنوة للنجاة من تهالكها القسري ،فيصدق مالك الدور ،ويسقط فيه بجوارحه المكسورة.
حتى ” إلين” المعشوقة التي يهرع إليها
ليستنجد بها ذاكرة حميمة لتنقذه من هاوية الخيبة
ما تفتأ أن تتوارى وتتمرد عليه في ظل تفاقم الشعور بالمسؤولية تجاه ما حدث،
فتخور فتوته في ظلمة الجب وتطالعه بين الحين والآخر صورة “المحش” المخمور الذي أودى بحياة أخيه “مروان” النصف الهزيل والتوأم الذي لزمه عمرا
بعد أن وارى المجرم سوأته بتقطيع جسد شقيق روحه ومداراتها في كيس
قربانا لصحوته المخمورة،
لتزيد تفاصيل الرواية مأساة الأم ،
التي جثمت عليها وأردت الأب شريدا مبتورة يسراه وتتغلل في أعماق “مالك ”
الجريمة فيستعد لها كبركان تتداقع حممه.
نوعت الكاتبة بسمة الشوالي في الأساليب الفنية والمرجعيات بين الواقعي و التخيلي والأسطوري والخرافي كما وظفت التعدد على مستوى اللغة المستعملة بين الفصحى والعامية والشعر الشعبي والأدب المترجم كمقتطفات من كتابات (رينية شار)
معجما لغويا مفتوحا على الأمكنة والأزمنة المتداخلة كتداخل الأحداث في تمشيها اللولبي ، فبدا تشظيها العلني كتشظي الشخصيات في خوفها وانهزامها واهتزازها
مثلا:
شخصية الأب “محمد “التي تبدو محورية ،تنطلق منها الأحداث لتبرز حجم المأساة التي دستها في العائلة
و”الأم ” الفارة من نفسها إلى حضن مالك الإنهزامي المستعد للإندساس في الجريمة
و”إلين” التي تكاد تكون مغيبة أما “المحش”
فهي الشخصية الفارة من قبضة العدالة ،صانعة الملحمة المأساوية.
تتواتر الأحداث في أسلوب سردي يتخلله حوار يسترجع فيه القارئ ترتيب الأحداث
فيبدو الفصل على شاكلة لوحة تتقاطب فيها الدلالات لكشف حنكة الراوي في تمثل الشخصيات فيتجاوز بها عقدة السقوط في السير الخطي الروتيني المنتظر
ويعري من خلالها التستر على الجريمة في علاقة بالواقع المعيش واستفحال كابوس الإنتقام حين تنحرف العدالة عن مسارها لطبيعي
بقلم الأديبة …نعيمة مناعي
Discussion about this post