بقلم …. سعاد علوي – عدن
اتكأت بظهرها إلى جدار خلف الكرسي الذي كانت تجلس عليه حينما سألتها صديقتها سؤالا أعاد لها شريطا من الذكريات القديمة .. فسامية امرأة في العقد الخامس من عمرها تعمل في إحدى الوزارات في بلدها .. تذكرت حينما كانت شابة في مقتبل العمر وأحلامها البريئة كأي فتاة مثلها بالزواج والحب والبيت والأطفال ولكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه .. ففي احد الأيام وهي في زحمة العمل .. والمدير لايكف عن الطلبات كانت تروح وتجيء مابين مكتبه ومكتبها تارة تأخذ أوراق وتارة تأتي بها .. أو تنادي على العم صالح رجل كبير في السن يمشي ببطء اخذ الزمان من وجهه مرسما رسم عليه كل أحداثه التي مرت في حياة العم صالح وصار كخارطة طريق مرت بها كل سنين عمره ففي كل خط فيه قصة الم أو حكاية فرح … ويعمل مراسلاً في مكتب المدير .. نادته سامية ليأخذ الأوراق إلى المكاتب الأخرى .. وأخيرا انتهى الدوام في ذلك اليوم المرهق .. وخرج المدير وصديقه الذي كان عنده وهو يقول لها : لا تنسي إغلاق الباب جيداً قبل انصرافك . وصديقه هذا لم يكن يرفع عينه عنها كلما دخلت المكتب أو خرجت منه وكأنه يدقق فيها أو يبحث عن شيء مفقود ..
وفي اليوم التالي رن تلفون المكتب فأجابت : نعم .. أنا هي سامية … ماذا ؟ كان هذا سؤالها للمتحدث على الطرف الآخر ( المتصل ) .. كان ذلك هو يطلبها للقائه خارج المكتب , صمتت للحظات .. ليس للتفكير ولكن لتستوعب ما قاله في بادي الأمر ثم طلبت منه أن يمنحها بعض الوقت لتفكر .. لم يمنحها فرصة للتفكير بل ألح في طلبه عليها وأقنعها بقبول اللقاء ..
والتقيا .. وتعارفا .. كان واثقا من نفسه كثيرا .. وكانت لديه خبرة في التعامل مع النساء هكذا تذكرت سامية أول حب في حياتها وأول لقاء مع أول حبيب لها وكان أيضا آخر حبيب .. حيث استطاع احمد أن يسحرها بكلامه وثقافته التي انبهرت بها في ذلك اللقاء .. ليته لم يكن .. وليتني لم اذهب بل ليتني لم أتردد في قول كلمة لا .. حدثت نفسها بكل هذا ندماً وحسرة ولكن للأسف , نندم كثيرا عندما تكون متاحة لنا كلمة صغيرة مكونة من حرفين ولا نستغلها .. ولا نكتشف قدرها إلا بعد فوات الأوان ..
تعارفا في ذلك اليوم وانتهى اللقاء على وعد بلقاء آخر وعادت سامية إلى المنزل وهي تطير كريشة في الهواء لا تسير على قدمين ثابتين على الأرض .. فرحاً وطرباً ببدء نبضات قلب مازال طفلاً في عالم الحب والغرام ..
وتم اللقاء الثاني والثالث وتوالت اللقاءات والوعود …. ولم يطل الوقت حتى قررا الارتباط .. وتم الارتباط سريعاً إذ كانت سامية تملك شقة ورثتها عن أهلها .. أحبته بكل ذرة إحساس فيها .. وبهدى هذا الحب وافقت على طلبه الزواج بها دون تفكير .. وهو كان مفكراً بل ومخططاً لكل ذلك , فقد عرف عن أمر الشقة من صديقه ومن حينها بدا يعمل الفكر كيف يمكنه الإيقاع بها .. وإقناعها بالزواج به فهو قد أعجب بها .. وهو رجل متزوج وأب لطفلين .. لم يصارحها بتلك الحقيقة بل حاول إخفائها عندما رآها قد وقعت في حبه فعلا بدون مجهود كبير منه .. وتم الزواج و شقتها كانت هي شقة الزوجية ومر شهر العسل أياما من السعادة التي لم تعهدها من قبل وبعده .. رن الهاتف وعلى الجانب الأخر : الو الأخت سامية ؟ كان صوت امرأة أجابت سامية : نعم .. من أنت ؟ أنا زوجة احمد وأم طفليه !!!!!!
نزل هذا الجزء من الحديث كعصا غليظة على رأس سامية صحتها من حلمها الجميل على كابوس الواقع المرير .. وأغمي عليها .. نقلت على إثره إلى المستشفى لتتلقى هناك أيضا عصا غليظة أخرى حين بارك لها الطبيب بحملها الذي عمره لا يتجاوز الشهر فقط .. وصل احمد إلى المستشفى بعد أن عرف إنها هناك وعاد بها إلى البيت .. وأطلعته سامية على كل شيء لم يستطع الإنكار .. واعترف لها وطلب منها أن تسامحه على كذبته .. التي لم يكن لها مبرر سوى طمعه في الشقة التي تملكها .. بنفس القدر الذي أحبته به كانت صدمتها فيه .. ولم تقبل على كرامتها العيش معه فطلبت منه الطلاق .. واحتفظت بالجنين الذي كان هو ابنتها زهرة ..
عادت سامية إلى الواقع بعد تذكر الماضي الذي ذهب بدون رجعة .. ورغم مرارة تذكره إلا انه أهداها أجمل زهرة في حياتها ..
Discussion about this post