بقلم سهام عبد السلام
سارت صفاء فى طريقها بخطى ثابتة واثقة بالرغم من انها لم تسر فى هذا الطريق منذ سنوات عدة ، وقد يكون لثبات خطواتها سببًا و هو انها عزمت أمرًا ولن يثنيها عنه شئ . سارت صفاء فى طريقها وهى تحمل وجهًا جمدت تعبيراته فاصبح و كأنه قد من صخر.
يالقسوة الحياة ، أهذه صفاء المبتسمة الراضية رقيقة المشاعر ؟!
وفجأة ، ارتبكت خطواتها و دوى داخلها صوت قوى وكأنه صوت ضميرها يسألها” ماذا تنوين أن تفعلى ؟ ، انتبهى”.
وتجيب صفاء على الصوت – صوت الضمير -” ما كات يجب أن أفعله منذ زمن ، هذا الرجل حطم حياتى وحياة أمى و أختى ، يجب أن انتقم منه شر انتقام” .
-” ولكنه اباكِ”.
تتعثر صفاء فى خطواتها و تجيبه
-” ابى ؟! ، ولماذا لم يتذكر انه ابى منذ أن طلق أمى ؟، نسى انه اب لابنتين ولم يتذكر الا بناته من زوجته الثانية ، لا لا ، هذا الرجل لا يستحق الرحمة ، يجب أن اقتله” .
تضطرب صفاء عندما تتذكر ما نوت أن تفعله ، يخرج صوت ضميرها أقوى هذه المرة
“أجننت ؟! تقتلين أياه ؟!” .
تصرخ صفاء فى داخلها :” اثبتى ، لا تأخذك الرحمة بهذا الرجل ، تذكرى أيام كنتى تنامين جائعة أنت وأمك وأختك الصغيرة وهو ينفق على زوجته وبناته يمينًا و يسارًا ،
تذكرى أيام كنتى تذهبين اليه وتتوسلين له ليعطيكم الفتات وهو بكل قسوة يرفض ويعيدك خائبة الرجاء”.
يعود صوت ضميرها ضعيفًا هذه المرة ليقول” ولكنه أباكِ ، والقتل جريمة بشعة”
-” أبى ؟! ، و كيف لى أن أنسى ما عانته أمى لأنال شهادتى المتوسطة ؟ ، كيف انسى يوم نجاحى عندما قالت لى” أنا تعبت يا صفاء ، ابحثى عن عمل لتساعدينى يا بنتى” ؟! ، كيف أنسى يوم بحثت فى كل مكان فى البيت عن شئ أكله قبل ذهابى الى عملى الذى ابقى به طوال اليوم فلم أجد الا بيضة أسرعت الى اختى لتطلب منى تركها لتفطر هى وأمى بها ، يومها صرخت بأختى الصغيرة المسكينة و شعرت بالخجل من نفسى وقررت أن أذهب اليه ، و ياله من حديث ذلك الذى دار بينى وبينه عندما فتحت لى زوجته الباب …
– فى حاجة ؟
– عايزة بابا .
– طيب أدخلى .
وجاء هو ..أبى ..
– بابا أرجوك ساعدنا ، ماما أصبحت مريضة و أختى مش عارفة أصرف على تعليمها .
– ليه ؟ انا سمعت انك بتشتغلى .
– أيوه بشتغل ، بس بملاليم .
صرخ فى غضب” انتى عاملة زى أمك طماعة”
-” ما تجبش سيرة ماما مش حرام تبقى عايش فى شقة فخمة و عربية وعندك كل حاجة وأنا و أختى مش لاقيين ناكل ، شايف طبق الفاكهة ده ، أنا حتى ماعرفش طعمه”
صرخ بحدة”أخرجى بره مش عايز أشوف وشك هنا تانى”.
وخرجت من بيته و أنا لا أرى الطريق أمامى من خلف دموعى ، وبعد كل هذا تطلب منى أن أرحمه ؟؟!!!”
عندئذ خفض صوت ضميرها و خرج من أعماقها وكأنه يخرج من بئر سحيق
-” ولكن أن قتلته سيضيع مستقبلك”
-” مستقبلى ؟! ، أى مستقبل هذا ؟؟! ، أمى ماتت حزنًا وكمدًا ومرضًا ، وأختى لم تكمل تعليمها ، وأنا أعيش كالأموات” .
ثم صرخت بداخلها
“لا لا ، يجب أن أقتله بهذه السكينة ، سأغرسها فى قلبه ، هذا ما يستحقه”.
وجدت صفاء نفسها عند باب شقة .
دقت الجرس ، انتظرت ليفتح لها أحد ، فتحت لها فتاة جميلة ، انها أختها لأبيها .
نظرت صفاء اليها نظرات جامدة …
-” أين أبوكِ ؟”
-” صفاء ؟ معقولة ؟ ، أنا فرحانة أوى انك جيتى ، ادخلى يا صفاء ، مش عايزة تشوفى بابا ؟”
تعجبت صفاء من هذا الترحاب الذى لم يكن لها سابق عهد به .
مشت صفاء على مهل فى صمت و تعجب ، وفتحت أختها باب غرفة ودخلت صفاء حجرة أبيها ، و رأت ما لم يكن يخطر ببالها .
ابيها ذلك الرجل المتغطرس يرقد بسرير المرض لا يتحرك ، اقتربت منه صفاء فنظر اليها نظرة ذليلة آسفة .
لم تصدق نفسها ، وعادت تنظر الى اختها التى قالت لها باكية :
-” بابا جت له جلطة يا صفاء ، ما بيقدرش يتحرك و حالته سيئة جدًا ، انا عارفة انه ظلمك ، سامحيه ، هو مش قادر حتى يطلب منك تسامحيه ، ياريت تفضلى معايا ، انا بقيت لوحدى بعد موت ماما و زواج أختى”
رن صوت التليفون
-” دقيقة يا صفاء” ، وخرجت أختها من الحجرة .
اقترب صفاء من أبيها ، فاذا بها تراه ينظر اليها و فى عينيه دمعة و تذلل ، وقالت صفاء فى نفسها” الآن أنا و أنت وحدنا ، و لا تستطيع أن تدافع عن نفسك”
فتحت صفاء حقيبة يدها ومدت يدها فيها لتخرج شيئًا ونظرت فى عين أبيها الباكية و قالت له” أنا مسامحاك يا بابا”
أخرجت صفاء منديل من الشنطة لتمسح دموع أبيها .
Discussion about this post