كان بيكر سوليفان رجلا عظيم الجثة قوي البنية يعمل في مختلف الأعمال ليعيل أسرته الصغيرة المكونة من زوجته بيكي ومن ابنته ذات الثلاثة عشر ربيعاً ومن طفله ذي الأعوام الثلاث. لم يكن عمل سوليفان يدر عليه مالا كثيرا فكان فقيراً معوزاً، إلا أنه مع ذلك لم يكن ممن يعوزهم الشرف وعزة النفس وأنفتها. فقد كان معتداً بنفسه وبقيمه وبأخلاقة وبأسرته وكان يجد المتعة العظيمة في العمل المضنى الذي يمكنه من إعالة أسرته ومن تأمين متطلبات بيتهم البسيط المنعزل على أطراف قريتهم الصغيرة.
عاد بيكر إلى بيته مساء يوم منزعجاً وقد بان عليه الضيق. وبعد الحاح زوجته أخبرها عن أنباء مزعجة وردت من المدينة المجاورة لقريتهم. فقد سيطرت عصابة من المافيا على تلك المدينة، ولم يعد لدولة القانون سلطة هناك. وانتشرت هذه الأخبار في القرية حتى صار كل حديث أهل القرية يدور حول عصابة المافيا التي سيطرت على المدينة المجاورة، وحول قلقهم المتزايد من أثر ذلك على قريتهم، وكيف سيكون تعاملهم مع سطوة العصابة المتزايدة وجبروتها المتعاظم وطغيانها الشرير.
أيام مضت ثم في ليلة دهماء استيقظ بيكر وزوجته فزعين من عميق نومهما على أصوات أبواق السيارات وأصوات عيارات نارية خارج بيتهم. خرج بيكر مسرعاً يستطلع الأمر وغاب لفترة جلست فيها زوجته وقد شبكت اصابع يديها ووضعتهما تحت خدها تنتظر زوجها وجلة خائفة لا تعلم ما تفعل، وكان حولها طفلاها اللذان أيقظتهما الجلبة الحاصلة خارج البيت. لقد أدركت أن ما كانوا خائفين منه يكاد يقع.
لم يطل الأمر كثيرا حتى عاد بيكرإلى البيت وجلس على دكة خشبية على باب البيت مهموما وقد وضع راسه بين يديه، وطفلاه يحيطان به. نظر بيكر نظرة منكسرة إلى زوجته ثم قال: لقد وصلوا. ثم صمت هنيهة ونظر إلى طفليه وجذبهما إليه واحتضنهما بقوة لم يعهداها منه، ثم في لهجة حازمة أمرهما بالذهاب إلى الفراش، ففعلا.
نظرت بيكي في عيني زوجها فرأت للمرة الأولى ملامح الانكسار ورأت أيضاً بريقاً غريباً فيهما لم تعهده، فسألته ماذا يريدون. زفر بيكر زفرة عميقة وقال لها لقد خيروني بين أن ندفع لهم مالا لا طاقة لنا بتوفيره، أو ان يقتلوني ويغتصبوك ويأخذو طفلينا خدماً بالسخرة لهم، أو أن أنضم إليهم وأتبع نهجهم وأكون واحداً منهم فيكون لي نصيب طيب مما يكسبونه ويسلبونه.
لم تمض سنة حتى كان بيكر سوليفان رجلاً غنياً يمتلك قصرا منيفاً ويقود سيارات فارهة ويساكن نساءا جميلات ويخدمه كثير من الخدم. وفي خضم هذه الوفرة كان بيكر يعلم أنه خلال تلك السنة خسر أغلى ما كان يملك: شرفه وعظم نفسه واحترامه لذاته، وعلم أنه أصبح خسيساً عديم الشرف لا يستحق الحياة.
Discussion about this post