بقلم …. نصير العراقي
صباح جميل آخر يبدأ في أرض المحبة حيث العصافير تزقزق، وقطرات الندى تتساقط من ورقة إلى أخرى، وعطر الزهور منتشر في كل مكان.
العم ديوك الرومي يتبختر نافشا ريشه؛ والعم حفتور الحمار منهمك في البحث عن نظارات القراءة خاصته.
ليلى خرجت من مخبأها برفقة إبنتها الغزالة دلال.
إرتفعت الشمس وعلت، وأخذت أشعتها تداعب أوراق الأشجار، و وجوه الصغار؛ تبث مع دفئها الراحة، والأمل.
الغزالة دلال تقفز، وتقفز فوق الحشائش، والأم تنبه على عدم الإبتعاد.
دلال لم يتم على ولادتها أسبوع، وهي في شوق مستمر للسؤال، والإستفسار.كلما إبتعدت عادت إلى أمها بسؤال تلو سؤال.
نظرت الغزالة الصغير إلى السماء فأدهشها منظر غيمة كبيرة.إنطلقت إلى مصدر معلوماتها بإستفسار…
– أمي أمي.. أمي أمي.. ما تلك في السماء؟!!!ليلى مبتسمة…
– تريدين اسمها ام احكي لك قصتها؟بشغف الطفولة، وبريق عيني الفضول، وصرخة مبتهجة مع عناق للام قالت: بل القصة بأكملها.
نظرت حنونة ثم قالت: إذن هيا إجلسي لتسمعي مني. تعرفين يا حبيبني أنت الغيوم، فقد اخبرتك عنها سابقا، لكن تلك التي لا تظهر إلا كل عام مرة اسمها (مملكة غزل البنات). غيمة كبيرة كبيرة؛ ذات لون الورود جميل، تسير عكس الرياح ببطء وانسجام.على ظهرها يستقر قصر جميل منيف تسكنه أميرة غزل البنات ذات الشعر الأسود الجميل واسمها ( رشا ).يمشط شعرها عشر وصيفات، ويمسك بطرف فستانها عشر أخر. إنها في كل صباح تفتح باب خزانتها الملء بغزل البنات، وتوزع تلك الحلو على الأطفال.مملكة شكلها كإسمها.. رقيقة حلوة المذاق.. هشة بنعومة، وجمال.
رشا الأميرة كانت لها قصة خطيرة.. أحبها أمير القصور التسعة ساكن جبال الكرامة، وأراد الزواج بها.إلا أن ليلث اللعينة تلك الصابئة الشريرة كانت له بالمرصاد. حاولت إغواءه وصرفه عن مراده بشتى الطرق وجميع السبل لكنها إلى الفشل كانت أقرب.رشا الأميرة تحب الجلوس في شرفة القصر الكبير المطلة على الباحة الامامية تتأمل الفضاء، وترسم صورة فارس أحلامها، وداخلها أمل أن يوم اللقاء سيصل.أمير الممالك التسع عزم أمره، وحزم، وقرر إرسال الوفود لينال المراد، والمقصود.فإنتفض من كبار فرسانه تسعة، ومن كبار علمائه تسعة، ومن خيرة تجار ممالكه تسعة.
حملوا بالهدايا، والمجوهرات والعطايا، وركبوا طيور المحبة البيضاء ثم إنطلقوا إلى غزل البنات.
الأبواق تعلن عن وصول الوفود.
الأميرة للزوار مستقبلة، ومن المودة والأحترام مغدقة.وبعد معرفة سبب الزيارة والمراد والمطلوب إبتهج القلب كثيرا، لكنها أثارت العزم، والحزم، ولم تتكلم.
أشار لحاجبتها بأن إجلبي ورقة ومداد. وكتبت: إلى المرسلين إلينا مراسيل إلى الخاطب ودنا هيت لكالروح فرحت والعين دمعتفمرحبا بك وبوفادتكختمت على الورقة بختمها الرقيق، ثم سلم الورقة للوافدين من عند الأمير.
قالت: عود لمرسلكم، وأهلا وسهلا بكم.
مع الوفود كان هناك عنقود غلام ( ليلث)، وعينها.قلب رشا يدق، ويدق، ويطرب أنفاسها برائع المشاعر، وجميل الأحاسيس.وقفت في شرفتها كالعادة تراقب الشمس وهي تودع الأفق الجميل.
في مكان آخر من العالم، وتحديدا في قصر ليلث المشؤوم أسود اللون مظلم الجدران. كانت اللعينة تصرخ بأعلى صوتها الذي يشبه قرع طبول الموت.
تقول: نعم يا أميري الصغير لقد وجدت لك حبيبة قلبها بدأ ينبض لك بسرور، والان تعد العدة للقاء والحبور. سأسكت قلبك عن النبض، ثم أرسلك إلى عالم الجحيم، وهناك سوف تكون محبا لي يا حبيبي.
ضحكات شريرة بعد تلك الكلمات الحقيرة، ثم عادت للصراخ تنادي حمارها الناهق بشنديق ذي الرائحة النتنة. جائها مرتجفا يرتعد وهو يسجد، ويزحف، ويصبح…لبيك يا جميلة.. لبيك يا مولاتي. ليلث في أوج غرورها تأمر، وتقول: أطلق السبع الغول، وإسقه من دم الفحول، ثم أمره أن يذهب إلى أمير الممالك التسع، ويقتلع عينيه، ولسانه ثم قلبه، ويأتن بهم أمضغهم، وأبتلعهم.. هههههااااي.
أطلق مخلوق سبع الغول وهو بجسد أسد، ورأس فيه ثمان عيون حمراء نارية، وفم بأسنان وأنياب فولاذية، وشعر رأس مشتعل بنار أزلية، وذيله سياط قوية.قدماه الأمامية مخالب نسر، والخلفية حوافر حمار.. له أجنحة خمس، ويصيح بصوت أشبه بالخوار.. أنفه المسطح ينفث الدخان الأسود.في التسع ممالك كان الأمير يعد العدة ويسرج الحمائم للإنطلاق نحو الهدف المنشود بعد وقوع تلك الكلمات المكتوب في الورقة موقع الحب في قلبه، وصار أسير أميرته بعد أن شم عطر غزل البنات الفواح.
الموكب المهيب يتقدم، وقلب رشا علم لكن هناك ألم.
وصل المرسال أولا مخبرا عن وقرب وصول المرجو وصله، فأعلنت في غزل البنات الإحتفالات، ونشرت على الجدران الإبتسامات.
لبست الأميرة أحلى الحلل، وتزينت بأجمل المجوهرات.جوهرة نفيسة تحيط بها جواهر.شمس تلاش من نورها ضياء الكواكب.
عند بوابة القصر الجميل، وبينما يترجل فارس الأحلام النبيل.. تسارعت خطا الأقدام الصغيرة وهي في فس شوق لإستقبال الحبيب المنتظر.. لكن السبع الغول هبط كالقدر وسط الجمهور المحتفل قاصدا أمير الأميرة.
الزمن توقف، وحبست الأنفاس لثانية، ثم علا الصراخ، وإشتد وقع أقدام الهروب.في باحت القصر بقي المراد والمريد.تكلم المسخ وصوته ماتت منه كل الزهور. قال: جئت بأمر مولاتي ليلث لآخذ منك عزيزتاك، ومتحدثك، ونابضك، ثم أرسل جسدك إلى أعماق الجحيم.
رشا صعقت من هول ما رأت فخرت مغشيا عليها، لتتلاقفها الوصيفات.
أمير الممالك يجهر بصوته الرنان المليء بالشجاعة، والبطولة.
– إذن أنت مبعوث الشريرة مغوية الرجال.. سأرسلك إليها قطعا صغيرة.
إستل الأمير سيفه (برق الرعد)، وبدأت المنازلة.ضرب بالمخالب وصليل بالسيف، ولذع بالسياط، والأميرة مازالت في غيبوبتها مستمرة.
المنازلة طويلة طويلة، وأنهك الأثنان.
أفاقت أخيرا رشا، وإنطلق إلى أرض المنازلة وهي راكضة.العين بالعين نظرت، والثغر للثغر إشتاق، وإبتسم، فإنتفض الأمير وإنتصب مجددا.
وصلت رشا إلى حبيبها المنشود، وقالت له: أسرع خذ قطرة من دموعي وضعها على سيفك ثم إنقض على عدوك، فأنت منتصر منصور. ماهي سوى ثوان قليله حتى تردى الوحش صريعا يلعق شجه القاتل
Discussion about this post