الشاعرة الرسّامة التونسية سماح بني داود :
” علاقتي بالجزائر كعلاقة الغيمة بالمطر…و أَحبّ البلدان إلى قلبي بعد تونس هي الجزائر …
بقلم : الكاتب الصحفي الجزائري المهدي ضربان
كان لي أن أعيش هوسها ولمستها الشاعرية حينما قرأت قصيدة لها وهي صديقة لي في الفيسبوك ..هناك عشت تلك الشاعرية من نسق إنساني لواحدة تحترق بتلك المعاني المبوّبة من إرهاص يسكنها مذ تصالحت مع القصيد ..
إنها الفنانة التشكيلية والشاعرة التونسية سماح بني داود المعروفة في الجزائر كثيرا ..تعرفها دفات الصحف وأطقم أركانها الصحفية ..حينما كنت أتواصل معها لتعرف كل الأسماء التي تلبس الصفحات الثقافية والإبداعية ..ترصد مضامينها وتعيش صداقة مع من يلازمون تبويب تلك الصحف والصفحات التي لها علاقة بالشأن الإبداعي. …
لذلك كان تواصلي مع الشاعرة سماح بني داود أن رسم لي فكرة أنني مع واحدة لها علاقة بالشأن الجزائري من حيث تفاعلها مع كتابات مبدعينا وكذا أصدقاء لها جمعتهم محبّتها كي ينصهروا في رواقها الواعي والواعد والذي أنجب لنا شاعرة متميزة تلازم الحرف والبوح وتستنطق الفضاءات والمساحات أيضا ..كي تهندس تشكيلات من رسومات وبدائعا من محطات تشكيلية سكنتها وهي طالبة خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة عام 2008 بتونس.. تحوز على شهادة في الرسم شاركت بلوحاتها في عدة مهرجانات وملتقيات مختلفة ترصد تجربتها بنوع من الإفتخار.. تلبس تلك الجاهزية في تثوير الألوان بنسق منمنمات فنية هي صورة لذلك التكوين القيمي الذي رصدته معارفها وهي ضمن نسق التكوين ..
الرسّامة سماح بني داود تتخندق في لوحاتها لترسم المعنى بعيدا عن التخندق المباشر في المدارس التشكيلية المتعارف عليها ..بل هي تصنع الحكاية وتثير في المعنى صورة تحيل على تجربة لها ..هي من عين التخمين الذي لاينزل الى تلك التسميات التي سرقت روادها كي يتخندقوا في مدارس معينة.. فتذهب ريحهم الفنية ويتداعى الفن ويتدحرج كي يسقط في مطبات الشكلانية ..
قالت يوما في حوار لها عبر صحيفة كواليس الجزائرية :
” أنا لا أنتمي إلى أي مدرسة بعينها ، بل تجدني أرسم لوحات واقعية …كثيرا ما يغلب على أعمالي النمط السريالي مثل منجزي ” لا للعنصرية ” والتي وجدت صدى كبيرا ووسمت صفحات الكتاب والشعراء والفنانين والتي بيعت قبل شهرين وهي الآن بمقر الرابطة بتونس العاصمة ” ..
كذلك تتعامل مع الشعر وهي راىدة فيه ولها دواوينا مطبوعة ..سألتها عن رصيدها الإبداعي المطبوع ..قالت لي الشاعرة سماح بن داود :
هذه كتبي المطبوعة ..
” نار حطبها ثلج ” ..ديوان شعر
” خمائل حالمة ” ..ديوان شعر
” وطن شاهق في الخواء” :ديوان شعر
” قُبل منتحرة ” ..رواية..
لي كتاب نقدي فيه قراءات نقدية كتبها نقاد عرب في كتابي بعنوان :
” في نار حطبها ثلج ” ..
و أنهيت من أيام رواية جديدة عنوانها : حجرة البورا..
تسابيح العودة الى موطن الزيتون…
أما مجموعتي الشعرية الأخيرة فهي بعنوان : وطن شاهق في الخواء .. فهي بإختصار تحكي عن معاناة التونسيين قبل الثورة وبعدها..وكذا تهميش الشباب و غير ذلك..
وحينما أحالتني الرسّامة الشاعرة عن حبها للجزائر
فإنها أكدت لي .. وهنا يرتسم فعلا تناغمها وحبها الجنوني للجزائر التي تحبها حبا شديدا .. حينما قالت لي :
” علاقتي بالجزائر كعلاقة الغيمة بالمطر…و أحبّ البلدان إلى قلبي بعد تونس هي الجزائر …وأردفت قائلة : روايتي
” قُبل منتحرة” ومضمون موضوعها وشخوصها كان اللُحمة التونسية الجزائرية زمن الحرب ..عمل أدبي فيه دعوة ملحّة لرفع الحدود بين البلدين ..” ..
جميلا أن يرتسم مشهد هذه المحبة التي تكنها هذه الرسامة التشكيلية والشاعرة التونسية حينما تعيش الحالة الجزائرية بنوع من الإرهاص الذي يجعلها تجاهد لأجل إلتحام الشعبين التونسي والجزائري ووجدت هذا ينصهر أيضا في محطاتها مع المعارف والتراجم لجزائريين تعرفهم خيرا من الصحفيين الجزائريين.. بل لها زاد من رؤى يلازمها ويرسم خلاصات مرجعية لها حينما تكتب في الشأن الجزائري ..فاجأتني هذه الشاعرة المميزة والمثقفة والمسكونة بالحنينية التي تعايشها بنظرة إيمانية تجعلها تعيش للجزائر وبقلب جزائري خالص ..فاجأتني نعم قائلة لي : أنت صاحب رواية نياشين اللعنة ..قلت لها نعم ..وأردفت ولك تجربة 30سنة من الإعلام معظمها في الكتابات الثقافية ..قلت لها نعم ..لم أسألها عن تحكمها في الشأن الحزائري الثقافي بل سألت نفسي حصريا حينما تعجبت في قوم لنا لايعرفون أبدا مضامين الشأن الجزائري وليس لهم رصيد يواكب الحراك الأدبي الموجود عندنا ..نعم ..وجدت أن إلمام هذه الرسامة الشاعرة بالشأن الجزائري والعربي مرده لكونها تضطلع بدور رئيسة الرابطة العربية للفنون والإبداع فرع قفصة ، ورئيسة نادي جسور للثقافة والفنون الذي كان يضم في الأول 245 عضوا ليصبح والحمد لله 1806 عضوا نشيطا من كل الأقطار العربية يجمع كل محبي الفنون والآداب ..
ما معناه أن الكاتبة سماح بني داود تشتغل في نسق دائم لايتوقف كي يكون لديها خلفية من تفاصيل وتراجم وتجارب عايشتها وتعايشها من كل الأقطار العربية وجعلت من الإبداعات تتناغم فيما بينها كي تصنع لنا توليفة من العطاءات والإضافات إكتشفتها في تجربتها الشّعرية خاصة وفي كونها تصبح أحيانا مراسلة صحفية على صلة بالنشاطات والأخبار والتجارب ..هي كوكتيل عجيب تنصهر فيه تجارب عدة تنتج المعنى والفرح والإضافات ..
طالعت هذا الإرهاص وانجذبت الى مسار هذه الشاعرة التي أغرتني بهذا التناغم الذي تلبسه حينما عايشت كل المحطات الإبداعية التي تجمعها بأسماء إبداعية معروفة في العالم العربي ..مرة قرأت لها ماكان يعني تلك المحطة من سيرة ذاتية ترصدها شاعرة حكت عن نفسها ورسمت لنا معانيها وخلاصات ذاتية منها تلون مشهدنا ومشهدها العجيب الضارب في عمق الإضافة ..
رصدتها حينما قامت تحكي لنا عن تراجمها برؤى تسكنها
فقالت بكل صدق :
نعتز كثيرا بكل تجربة مرّيت بها في حياتي، وما ندمت على حتّى حاجة جربتها حتى الآن وقد تجاوز عمري ثلث قرن وأكثر…
جربت الصناعات التقليدية والنحت،جربت الغناء والرياضة من لمّا كنت صغيرة، جربت الشعر من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر… جربت القصة و الومضة والهايكو و الرواية، جربت التلحين و العزف… جربت العمل بعدة مِهن ثقافية وتجارية وتعليمية وإعلامية،حتى مجالات الدراسة لديّ تنوعت بين الأدب والفن والعلوم وما استقريت على اختصاص واحد ليلازمني….. أهم حاجة عندي هو ذاك الإحساس الي يخليني نتحسس الحياة فيَّ ونتأكد أني لست من عداد الموتى، وأني مازلت انجم نقدم ونتقدم الى أمام باش نخلق فرص أخرى تجعلني نحب نفسي وتشرّع أمامي نوافذ أوسع للأمل والفرح.
عرفت برشا ناس وما ندمت على معرفة أحد، كل شخص جاء ليضيف لي، حتى هؤلاء الذين خذلوني مدينة لهم جدا بما تعلمته من خلالهم، فلولا دخولهم حياتي ما كنت تعثرت ولو لا عثراتي ما وقفت أبدا وما فهمت سبل الحياة الخفية، و وجوهها الغريبة التي كنت أجهلها..أكثر ما يسعدني أنهم قليلون جدا حتى أني ما شعرت برحيلهم خاصة وقد عوضني القدر بمعرفة كمّ كبير من الصاديق الأوفياء، من نِعم الله عليّ حب الناس رغم مزاجيتي و طبعي الإنزوائي الذي يأخذني إلى العزلة والانفراد بنفسي…
أنفلت مني اليَّ لأكون كما أريد في كل مرة، غير مبالية بما سأحصد نهاية الطريق، أجنّد نفسي دوما لرسم ضحكة عريضة على وجه الصباح …” …
هي هكذا هذه التي عايشت مقالاتها وتفاصيلا جمعتها بشعراء وكتاب تلازم تجاربهم لتكون سفيرة تونس للشعر الذي يجمع كل تلك الأسماء من خارج تونس تحيلنا على العطاء الذي يعرفنا يكبار الشعر والابداع ..كذلك كانت تطربنا سماح بن داود بهوس لها يرصد معناها الشاعري الجميل ..تقول لغتها الحالمة ماينعش المعنى قصيدا جميلا من لغة البعث الجميل :
تعلو عتبات الليل
حتّى لا تصلها
أعناق المصلوبين
على سلالم الحرية.
وحده هذا الوطن؛
مازال يهدل بحناجر بيضاء،
لا تصل أصواتها.
مبحوحة تغرّد
بين غروب وغروب..
تعلوُ عتبات الليل
حتى نتوسد أطلالها
وقد امتلأت مقابر العشاق
بترانيم حُبلى بالضجر
تعلو عتبات الليل
كي لا نصل
الى أغنيات تردّد
انعتاق أمنياتنا
تعلو عتباته
لتدوس أحلام اليتامى،
حتى تنقطع أنفاسنا
والبحر يشرب دمنا،
الشمس تقضم مفاصلنا..
َمحافل السوس توّاقة لحفر
مساراتنا المعطوبة.
تعلو عتبات الليل
فيعلو صوت أبي:
أُهدري يا أنهار السماء،
سيري بشرايين
أطفالنا
أغنية وطن ماطر.
قالت لي يوما …لحظة مهدي سأرسل لك النص الذي كتبته تأثرا بموت الفنان جمال بن اسماعيل …فأنا أواكب كل حدث في الجزائر..و إن وقعت مصيبة هناك تحدث ثقبا بقلبي…
قالت بحسرة شاعرية ..تبكي الحادثة بنص إهداء الى روح الراحل جمال بن سماعيل بعنوان :
بكاء… على خاصرة وطن..
وها أنا واقف بين أشجار الغابة التي احترقتُ على أرضها، أراقب هرولة تلك الوحوش الى جثتي قبل اشتعالها، قبل توديعها لأنفاسها الأخيرة، لم أكن أعلم كيفية موتي ولا السبب ولا المكان او الوقت، كنت جاهلا مثل الجميع لكل هذا، غير أنّني عليم بقدوم ساعة تصنع فيها روحي لنفسها جناحين لتحلق خارج جسد احتواها لسنوات، لم تكن خيبة لجسدي في روحي بل هي حقيقة آتية لاماحالة، إلا أنها أتت على هيئة شرير تقمص دور الرب في الحرب والتعذيب!
لم تخني ذاكرتي، مازلت أذكر حماسي لمغادرة بيتي والمساهمة في انقاذ الغابة من ألسنة نار التهمتها بشراهة، أذكر هرولتي الى الحافلة و معي قلب ينبض حرقة شديدة على وطني الذي سيتحول الى رماد بعد ساعات قليلة، مازلت أذكر مشاهد هروب الناس من ألسنة النيران، بكاء النساء، وخوف الأطفال، ضجيج السيارات وازدحامها، أذكر أن الصمت قد خانني فانتفضت مهرولا لأقدم ما يمكن تقديمه.
على كتفي وزر ثقيل، وفرشاة امتصت ألوانها صرخات أمهاتنا هناك، ليتني كنت قادرا على رسم أمطار غزيرة تتحول بعد برهة إلى حقيقية فتُذهب الرماد وتأتنا ببساط أخضر على أرضنا من جديد، ليته كان في عروقي كمية دم كافية لإطفاء الحريق، أو دموع كثيفة أذرفها فنصحو من كابوسنا المخيف،
على كتفيّ وزر ثقيل توفيت ولم أُنزله!
أتصدقون أنني لم أشعر بألم تلك اللكمات ولا بوقع ضربهم على جسدي، لأن الضربات على خاصرة وطني كانت أشد وجعا!
أتصدقون أني وأنا احترق كنت أفكر بذلك الحريق الكبير الذي يلتهم جزائرنا؟
أنا الآن هنا بين أشجار التفاح والتين والزيتون أقف، لأراكم جميعا مجتمعين حول وطن يستعد دوما لما هو أفظع وتستعدون دوما للموت من أجل سلامته..
هي هكذا الشاعرة الرسامة سماح بن داود التي عايشت تجربتها بكل إعتزاز ومحبة وفرح ..الشاعرة الرسّامة التونسية سماح بني داود :
” علاقتي بالجزائر كعلاقة الغيمة بالمطر…و أَحبّ البلدان إلى قلبي بعد تونس هي الجزائر …
بقلم : الكاتب الصحفي الجزائري المهدي ضربان
كان لي أن أعيش هوسها ولمستها الشاعرية حينما قرأت قصيدة لها وهي صديقة لي في الفيسبوك ..هناك عشت تلك الشاعرية من نسق إنساني لواحدة تحترق بتلك المعاني المبوّبة من إرهاص يسكنها مذ تصالحت مع القصيد ..
إنها الفنانة التشكيلية والشاعرة التونسية سماح بني داود المعروفة في الجزائر كثيرا ..تعرفها دفات الصحف وأطقم أركانها الصحفية ..حينما كنت أتواصل معها لتعرف كل الأسماء التي تلبس الصفحات الثقافية والإبداعية ..ترصد مضامينها وتعيش صداقة مع من يلازمون تبويب تلك الصحف والصفحات التي لها علاقة بالشأن الإبداعي. …
لذلك كان تواصلي مع الشاعرة سماح بني داود أن رسم لي فكرة أنني مع واحدة لها علاقة بالشأن الجزائري من حيث تفاعلها مع كتابات مبدعينا وكذا أصدقاء لها جمعتهم محبّتها كي ينصهروا في رواقها الواعي والواعد والذي أنجب لنا شاعرة متميزة تلازم الحرف والبوح وتستنطق الفضاءات والمساحات أيضا ..كي تهندس تشكيلات من رسومات وبدائعا من محطات تشكيلية سكنتها وهي طالبة خريجة المعهد العالي للفنون الجميلة عام 2008 بتونس.. تحوز على شهادة في الرسم شاركت بلوحاتها في عدة مهرجانات وملتقيات مختلفة ترصد تجربتها بنوع من الإفتخار.. تلبس تلك الجاهزية في تثوير الألوان بنسق منمنمات فنية هي صورة لذلك التكوين القيمي الذي رصدته معارفها وهي ضمن نسق التكوين ..
الرسّامة سماح بني داود تتخندق في لوحاتها لترسم المعنى بعيدا عن التخندق المباشر في المدارس التشكيلية المتعارف عليها ..بل هي تصنع الحكاية وتثير في المعنى صورة تحيل على تجربة لها ..هي من عين التخمين الذي لاينزل الى تلك التسميات التي سرقت روادها كي يتخندقوا في مدارس معينة.. فتذهب ريحهم الفنية ويتداعى الفن ويتدحرج كي يسقط في مطبات الشكلانية ..
قالت يوما في حوار لها عبر صحيفة كواليس الجزائرية :
” أنا لا أنتمي إلى أي مدرسة بعينها ، بل تجدني أرسم لوحات واقعية …كثيرا ما يغلب على أعمالي النمط السريالي مثل منجزي ” لا للعنصرية ” والتي وجدت صدى كبيرا ووسمت صفحات الكتاب والشعراء والفنانين والتي بيعت قبل شهرين وهي الآن بمقر الرابطة بتونس العاصمة ” ..
كذلك تتعامل مع الشعر وهي راىدة فيه ولها دواوينا مطبوعة ..سألتها عن رصيدها الإبداعي المطبوع ..قالت لي الشاعرة سماح بن داود :
هذه كتبي المطبوعة ..
” نار حطبها ثلج ” ..ديوان شعر
” خمائل حالمة ” ..ديوان شعر
” وطن شاهق في الخواء” :ديوان شعر
” قُبل منتحرة ” ..رواية..
لي كتاب نقدي فيه قراءات نقدية كتبها نقاد عرب في كتابي بعنوان :
” في نار حطبها ثلج ” ..
و أنهيت من أيام رواية جديدة عنوانها : حجرة البورا..
تسابيح العودة الى موطن الزيتون…
أما مجموعتي الشعرية الأخيرة فهي بعنوان : وطن شاهق في الخواء .. فهي بإختصار تحكي عن معاناة التونسيين قبل الثورة وبعدها..وكذا تهميش الشباب و غير ذلك..
وحينما أحالتني الرسّامة الشاعرة عن حبها للجزائر
فإنها أكدت لي .. وهنا يرتسم فعلا تناغمها وحبها الجنوني للجزائر التي تحبها حبا شديدا .. حينما قالت لي :
” علاقتي بالجزائر كعلاقة الغيمة بالمطر…و أحبّ البلدان إلى قلبي بعد تونس هي الجزائر …وأردفت قائلة : روايتي
” قُبل منتحرة” ومضمون موضوعها وشخوصها كان اللُحمة التونسية الجزائرية زمن الحرب ..عمل أدبي فيه دعوة ملحّة لرفع الحدود بين البلدين ..” ..
جميلا أن يرتسم مشهد هذه المحبة التي تكنها هذه الرسامة التشكيلية والشاعرة التونسية حينما تعيش الحالة الجزائرية بنوع من الإرهاص الذي يجعلها تجاهد لأجل إلتحام الشعبين التونسي والجزائري ووجدت هذا ينصهر أيضا في محطاتها مع المعارف والتراجم لجزائريين تعرفهم خيرا من الصحفيين الجزائريين.. بل لها زاد من رؤى يلازمها ويرسم خلاصات مرجعية لها حينما تكتب في الشأن الجزائري ..فاجأتني هذه الشاعرة المميزة والمثقفة والمسكونة بالحنينية التي تعايشها بنظرة إيمانية تجعلها تعيش للجزائر وبقلب جزائري خالص ..فاجأتني نعم قائلة لي : أنت صاحب رواية نياشين اللعنة ..قلت لها نعم ..وأردفت ولك تجربة 30سنة من الإعلام معظمها في الكتابات الثقافية ..قلت لها نعم ..لم أسألها عن تحكمها في الشأن الحزائري الثقافي بل سألت نفسي حصريا حينما تعجبت في قوم لنا لايعرفون أبدا مضامين الشأن الجزائري وليس لهم رصيد يواكب الحراك الأدبي الموجود عندنا ..نعم ..وجدت أن إلمام هذه الرسامة الشاعرة بالشأن الجزائري والعربي مرده لكونها تضطلع بدور رئيسة الرابطة العربية للفنون والإبداع فرع قفصة ، ورئيسة نادي جسور للثقافة والفنون الذي كان يضم في الأول 245 عضوا ليصبح والحمد لله 1806 عضوا نشيطا من كل الأقطار العربية يجمع كل محبي الفنون والآداب ..
ما معناه أن الكاتبة سماح بني داود تشتغل في نسق دائم لايتوقف كي يكون لديها خلفية من تفاصيل وتراجم وتجارب عايشتها وتعايشها من كل الأقطار العربية وجعلت من الإبداعات تتناغم فيما بينها كي تصنع لنا توليفة من العطاءات والإضافات إكتشفتها في تجربتها الشّعرية خاصة وفي كونها تصبح أحيانا مراسلة صحفية على صلة بالنشاطات والأخبار والتجارب ..هي كوكتيل عجيب تنصهر فيه تجارب عدة تنتج المعنى والفرح والإضافات ..
طالعت هذا الإرهاص وانجذبت الى مسار هذه الشاعرة التي أغرتني بهذا التناغم الذي تلبسه حينما عايشت كل المحطات الإبداعية التي تجمعها بأسماء إبداعية معروفة في العالم العربي ..مرة قرأت لها ماكان يعني تلك المحطة من سيرة ذاتية ترصدها شاعرة حكت عن نفسها ورسمت لنا معانيها وخلاصات ذاتية منها تلون مشهدنا ومشهدها العجيب الضارب في عمق الإضافة ..
رصدتها حينما قامت تحكي لنا عن تراجمها برؤى تسكنها
فقالت بكل صدق :
نعتز كثيرا بكل تجربة مرّيت بها في حياتي، وما ندمت على حتّى حاجة جربتها حتى الآن وقد تجاوز عمري ثلث قرن وأكثر…
جربت الصناعات التقليدية والنحت،جربت الغناء والرياضة من لمّا كنت صغيرة، جربت الشعر من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر… جربت القصة و الومضة والهايكو و الرواية، جربت التلحين و العزف… جربت العمل بعدة مِهن ثقافية وتجارية وتعليمية وإعلامية،حتى مجالات الدراسة لديّ تنوعت بين الأدب والفن والعلوم وما استقريت على اختصاص واحد ليلازمني….. أهم حاجة عندي هو ذاك الإحساس الي يخليني نتحسس الحياة فيَّ ونتأكد أني لست من عداد الموتى، وأني مازلت انجم نقدم ونتقدم الى أمام باش نخلق فرص أخرى تجعلني نحب نفسي وتشرّع أمامي نوافذ أوسع للأمل والفرح.
عرفت برشا ناس وما ندمت على معرفة أحد، كل شخص جاء ليضيف لي، حتى هؤلاء الذين خذلوني مدينة لهم جدا بما تعلمته من خلالهم، فلولا دخولهم حياتي ما كنت تعثرت ولو لا عثراتي ما وقفت أبدا وما فهمت سبل الحياة الخفية، و وجوهها الغريبة التي كنت أجهلها..أكثر ما يسعدني أنهم قليلون جدا حتى أني ما شعرت برحيلهم خاصة وقد عوضني القدر بمعرفة كمّ كبير من الصاديق الأوفياء، من نِعم الله عليّ حب الناس رغم مزاجيتي و طبعي الإنزوائي الذي يأخذني إلى العزلة والانفراد بنفسي…
أنفلت مني اليَّ لأكون كما أريد في كل مرة، غير مبالية بما سأحصد نهاية الطريق، أجنّد نفسي دوما لرسم ضحكة عريضة على وجه الصباح …” …
هي هكذا هذه التي عايشت مقالاتها وتفاصيلا جمعتها بشعراء وكتاب تلازم تجاربهم لتكون سفيرة تونس للشعر الذي يجمع كل تلك الأسماء من خارج تونس تحيلنا على العطاء الذي يعرفنا يكبار الشعر والابداع ..كذلك كانت تطربنا سماح بن داود بهوس لها يرصد معناها الشاعري الجميل ..تقول لغتها الحالمة ماينعش المعنى قصيدا جميلا من لغة البعث الجميل :
تعلو عتبات الليل
حتّى لا تصلها
أعناق المصلوبين
على سلالم الحرية.
وحده هذا الوطن؛
مازال يهدل بحناجر بيضاء،
لا تصل أصواتها.
مبحوحة تغرّد
بين غروب وغروب..
تعلوُ عتبات الليل
حتى نتوسد أطلالها
وقد امتلأت مقابر العشاق
بترانيم حُبلى بالضجر
تعلو عتبات الليل
كي لا نصل
الى أغنيات تردّد
انعتاق أمنياتنا
تعلو عتباته
لتدوس أحلام اليتامى،
حتى تنقطع أنفاسنا
والبحر يشرب دمنا،
الشمس تقضم مفاصلنا..
َمحافل السوس توّاقة لحفر
مساراتنا المعطوبة.
تعلو عتبات الليل
فيعلو صوت أبي:
أُهدري يا أنهار السماء،
سيري بشرايين
أطفالنا
أغنية وطن ماطر.
قالت لي يوما …لحظة مهدي سأرسل لك النص الذي كتبته تأثرا بموت الفنان جمال بن اسماعيل …فأنا أواكب كل حدث في الجزائر..و إن وقعت مصيبة هناك تحدث ثقبا بقلبي…
قالت بحسرة شاعرية ..تبكي الحادثة بنص إهداء الى روح الراحل جمال بن سماعيل بعنوان :
بكاء… على خاصرة وطن..
وها أنا واقف بين أشجار الغابة التي احترقتُ على أرضها، أراقب هرولة تلك الوحوش الى جثتي قبل اشتعالها، قبل توديعها لأنفاسها الأخيرة، لم أكن أعلم كيفية موتي ولا السبب ولا المكان او الوقت، كنت جاهلا مثل الجميع لكل هذا، غير أنّني عليم بقدوم ساعة تصنع فيها روحي لنفسها جناحين لتحلق خارج جسد احتواها لسنوات، لم تكن خيبة لجسدي في روحي بل هي حقيقة آتية لاماحالة، إلا أنها أتت على هيئة شرير تقمص دور الرب في الحرب والتعذيب!
لم تخني ذاكرتي، مازلت أذكر حماسي لمغادرة بيتي والمساهمة في انقاذ الغابة من ألسنة نار التهمتها بشراهة، أذكر هرولتي الى الحافلة و معي قلب ينبض حرقة شديدة على وطني الذي سيتحول الى رماد بعد ساعات قليلة، مازلت أذكر مشاهد هروب الناس من ألسنة النيران، بكاء النساء، وخوف الأطفال، ضجيج السيارات وازدحامها، أذكر أن الصمت قد خانني فانتفضت مهرولا لأقدم ما يمكن تقديمه.
على كتفي وزر ثقيل، وفرشاة امتصت ألوانها صرخات أمهاتنا هناك، ليتني كنت قادرا على رسم أمطار غزيرة تتحول بعد برهة إلى حقيقية فتُذهب الرماد وتأتنا ببساط أخضر على أرضنا من جديد، ليته كان في عروقي كمية دم كافية لإطفاء الحريق، أو دموع كثيفة أذرفها فنصحو من كابوسنا المخيف،
على كتفيّ وزر ثقيل توفيت ولم أُنزله!
أتصدقون أنني لم أشعر بألم تلك اللكمات ولا بوقع ضربهم على جسدي، لأن الضربات على خاصرة وطني كانت أشد وجعا!
أتصدقون أني وأنا احترق كنت أفكر بذلك الحريق الكبير الذي يلتهم جزائرنا؟
أنا الآن هنا بين أشجار التفاح والتين والزيتون أقف، لأراكم جميعا مجتمعين حول وطن يستعد دوما لما هو أفظع وتستعدون دوما للموت من أجل سلامته..
هي هكذا الشاعرة الرسامة سماح بن داود التي عايشت تجربتها بكل إعتزاز ومحبة وفرح ..
Discussion about this post