كتب….. خطاب معوض خطاب
الشيخ علام سلامة يعد علما من أعلام مصر وعالما من علمائها الأجلاء المجهولين المهمشين وواحدا من نوابغ مصر وعظمائها الذين لا يعرفهم الكثيرون، وواحد من أنجب من أنجبت مصر ورمزا كبيرا من رموز مصر في الفكر والأدب والثقافة، كما أنه يعد واحدا من أكبر علماء اللغة العربية في مصر على مر التاريخ، وكيف لا يكون كذلك وهو الذي ناقش رسالة الدكتوراه التي حصل عليها الدكتور طه حسين من الجامعة الأهلية المصرية قبل سفره إلى فرنسا والتحاقه بجامعة السوربون.
ليس هذا فحسب بل يؤثر عنه أنه كان يصحح الأخطاء اللغوية للشاعرين الكبيرين أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، ولمكانته الكبيرة تلك فقد كنت حريصا على أن يكون الشيخ واحدا من الشخصيات التي تشرفت بالكتابة عنها في الجزء الأول من كتابي “شخصيات مصرية بين التهميش والنجومية” الصادر منذ 4 سنوات عن دار السعيد للنشر والتوزيع.
والشيخ علام سلامة ابن أشراف قرية “العقال البحري” التابعة لمركز البداري محافظة أسيوط ولد في سنة 1877، وتلقى تعليمه بكتاب قريته ثم انتقل بعد ذلك إلى القاهرة ليكمل بها تعليمه الأزهري، وتخرج في مدرسة دار العلوم التي كانت نواة لكلية دار العلوم بعد ذلك، وبعد تخرجه فيها قام الشيخ بالعمل أستاذا للأدب العربي بمدرسة دار العلوم، وقد قام بتأليف كتاب “معراج البيان” الذي كان يتم تدريسه لطلبة كلية دار العلوم حتى وقت قريب.
وفي سنة 1908 انتدبت الجامعة الأهلية الشيخ علام سلامة لمناقشة رسالة الدكتوراه التي تقدم للحصول عليها في ذلك الوقت الطالب طه حسين، وذلك تحت إشراف السلطان حسين كامل سلطان مصر، وتعتبر أول رسالة دكتوراه يتقدم مصري لمناقشتها والحصول عليها في جامعة مصرية، وقد قال الدكتور طه حسين عن الشيخ علام سلامة: “عجبت لمن ليست له دكتوراه ويمتحنني في الدكتوراه!، ولكن يزول عجبي عندما لا أجد من يمنح أستاذي علام سلامة دكتوراه!”، وقال: “كاد أستاذي علام سلامة يبتلعني، غير أني كنت عسير الهضم!”، وهكذا شهد الدكتور طه حسين بأستاذية الشيخ “علام سلامة”، وقد ذكر الدكتور طه حسين أستاذه الشيخ علام سلامة في كتابيه “من بعيد” و”الأيام”.
وعندما قام شاعر النيل حافظ إبراهيم بترجمة رواية فيكتور هوجو “Les Miserables” وأسماها “البؤساء” أرسل نسخة منها إلى الأستاذ الشيخ علام سلامة، ويومها قام حافظ إبراهيم بكتابة إهداء إلى الشيخ قال فيه: “إلى أستاذنا الشيخ علام سلامة، نسأل الله منه السلامة.. المخلص حافظ”، وقد رد عليه الشيخ برسالة أوضح له فيها أن عنوان الكتاب يحوي خطأ لغويا، وكتب له: “إن البؤساء جمع بئيس، وهو الإنسان الذي لا تعرف الابتسامة طريقها إلى شفتيه أبدا، وقد يكون غنيا، وهذا ما لم يقصده هوجو المؤلف، وأما الصواب فهو أن يكون العنوان: البائسون”.
كما حدث أن أمير الشعراء أحمد شوقي كتب قصيدة أهداها إلى الشيخ وقال فيها:
“وقى الأرض شر مقاديره
لطيف السماء ورحمانها
ونجى الكنانة من فتنة
تهددت النيل نيرانها”
ورد عليه الشيخ برسالة مكتوبة قال فيها بالنص: “يا شوقي.. لا يصح أن نصف مقادير الله بأنها شريرة حتى ولو أصابتنا بكرب!، والرأي عندي أن تكتب هكذا:
“وقى الأرض شرا مقاديره
لطيف السماء ورحمانها
ونجى الكنانة من فتنة
تهددت النيل نيرانها”
وهكذا حافظ الشيخ على الوزن والقافية، وفي نفس الوقت لم يعبث بالمعنى، وصحح خطأ أمير الشعراء أحمد شوقي، وقد تم تكريم الشيخ علام سلامة تكريما يليق بعطائه ومكانته الكبيرة، حيث قام الملك أحمد فؤاد بمنحه نيشان النيل العظيم في سنة 1925 وهو النيشان الذي تغير اسمه فيما بعد إلى قلادة النيل العظمى أو وشاح النيل، وقد توفي الشيخ في أغسطس سنة 1937 عن عمر يناهز 60 عاما.
Discussion about this post