الكينغ يكتب (ألبير كامي، يتوهّج بعد موته):
أعيد للمرّة اللّسْتُ أدري في حياتي قراءة رواية (الغريب) لألبير كاميو, قرأتها عشرات المرّات بالفرنسيّة والرّوسيّة والألمانيّة, وكانت أحد المواد الرئيسة في مادة الأدب العالمي بالروسيّة أيام دراستي بموسكو في أواخر الثمانينات. اليوم وأنا كهل تجاوز الخمسين, أقرؤها للمرّة الثّانيّة باللّغة العربيّة، من ترجمة معقولة جدّا بصراحة للدكتور محمّد الغطّاس، صادرة عن الدّار المصريّة اللّبنانيّة…
رائعة هذه الرواية الطازجة على مرّّ الزمن, حقيقة, حتى أنّه يمكن ببساطة تصوّر البقع السوداء وحبّات العرق وهي تتبعثر على حبين ووجه السيّد بيريز العجوز, خطيب والدة الراوي ميرسو المتوفاة منذ ليلة أمس…
ورغم بصمات إرنست هيمنغواي ووليام فوكنر ودستيوفسكي الشديدة الوضوح في روح ونسيج وعجينة هذه الرواية الفذّة, وألبير كاميو نفسه لا يخفي ذلك, بل كان يكتفي فقط بنفي تأثره بجون بول سارتر وبشدّة, فهو مثلي أنا أيضا, يعتبر البائس جون بول سارتر روائي من الدرجة العاشرة, ومجرّد فيلسوف متبلّد الحسّ وقاحل ومرّ, وليس مبدعا, ولايستحق نوبل للآداب, ولولا أنه كان أول من رفضها, ولولا صبر وجهد وعناية ودبلوماسية عشيقته البائسة السنيورة سيمون دي بوفوار الله يرحمها المسكينة, لكان الآن نسيا منسيا, ولأرتحنا من دين أمه ومن كآبته المزمنة ومن ركاكته ومن خرائه…
المهم, أعتقد أنّ إفتتاحيّة رواية الغريب لألبير كاميو, (إضافة طبعا لإفتتاحية كافكا في روايته الفذة المسخ أو التحوّل, وأغلب روايات هنريش بول وفلادمير نوباكوف وجورج أورويل وماريو بارغاس يوسا وهاروكي موراكامي وميلان كونديرا وجيمس جويس ونورمان ميلر وطبعا ماركيز واسماعيل كاداريه). تعتبر من أكثر إفتتاحيات الروايات العالمية التي أثّرت في الرواية العربيّة الحديثة بشكل مباشر وقويّ, فجملته الفاتنة التي يبدأ بها روايته: (تُوفيت أمي اليوم, أو ربمّا بالأمس..لستُ أدري)..ألهمت ربمّا ثلاثة أرباع كبار الرّوائيّين العرب الذين حاولوا تقليد غموض وعمق وسحر الإعتراف الإستهلالي, ورمي كلّ ثقل وعقدة الراوية مرّة واحدة في جملتها الأولى، على قياس رواية الياطر لحنّا مينه ورواية موسم الهجرة للطيّب صالح وصولا لمفاتيح القيروان للكينغ نفسه…
يُخيّل لي أنّه آن الأوان لنعيد ديون ألبير كاميو, وكلّ كبار الحومة في مدوّنة الرواية العالمية, ونفتشّ في خزائن إرثنا الروائي المحليّ عن بصماتهم…ويا ما أكثرها.
***د. (كمال العيادي الكينغ) **
Discussion about this post