وزير الثقافة جمعة الفاخري يكتب الفردوس المُختار
فاجأته بطلب تسديد دينٍ قديمٍ، وعد كان قد قطعه معي منذ أعوام؛ لكن الظروف لم تأتِ به، وهاهي غنيمتي، الزمته بوقتٍ ضئيل جدًا؛ ” بكره لازم تعطيني القراءة “😧
وكانت أروع القراءات🤍✨
لم يرق له العنوان، نصحني بتغييره، بحث في الديوان واقترح عليّ عنوانًا آخر أعجبه، لم أقتنع، وبعد الطباعة المبدئية
اتصلت بالأستاذ هاشم ” هو ممكن نغير العنوان ؟!”🥺
وكان انزلاقي في فردوسي المُختار من أخي وصديقي الشاعر الفذّ، واللغوي الباقعة أ. جمعة الفاخري
فخورة أنا بك يا صديقي …شكرًا لأنك وهبتني وقتك وفكرك..شكرًا لأنك منذ التقيتك على جمرٍ من منفى وأنت كما أنت لم تبتلِك حُمى الكراسي، و لا صدأ الأنفسِ الخُناّسِ..
سلامُ الله عليك حتى اجدابيا العظيمة ” مسقط رأسي” .
التقديم لديوان ( الانزلاق في قِطاف الفردوس):
غادة البشاري، صَوْتٌ شعريٌّ يلوي أعناقَ القلوبِ إنصاتًا لوشوشَاتِهَا، وإصغاءً لوسواسَتِهَا .. والتفاتًا إلى نزفِهَا الأنيقِ.. الرَّشيقِ .. العبيقِ.. العميقِ..
منذُ زمنٍ لم تجدْ سَمَاءُ القَصِيدِ بدفقٍ شعريٍّ كالَّذِي ترتكبُهُ هذهِ الشَّاعرةُ التي تُطَوِّعُ اللُّغَةَ لمشيئتِهَا الشِّعريَّةِ .. تصفُّ مفرداتِها عراجينَ ضياءِ.. وأقباسَ انبهارٍ.. وترسلُها في المَدَايَاتِ البعيدةِ عصافيرَ وفراشاتٍ وأسرابَ فتون..
هذهِ المتمرِّدَةُ على الرَّتَابَةِ مُرْسِلَةً مَجَازَهَا العَجِيبَ في أثرِ عَصِيَّاتِ المَعَانِي لِيَأَتِيَ لَهَا بَأَعَاجِيبِ البَيَانِ قُصُورًا مِنَ المَعَانِي الفَارِهَاتِ.. وَأَبْرَاجًا مِنَ اللَّهَفِ الشِّعْرِي البَاذِخِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْهَا طَرَفُ الإلْهَامِ ..
تَقُولُ : ”
تَشَيَّأْ للمجَازِ..
وأجزلْ نشُوبَكَ
كي يتوشَّى اندلاعُكَ في وثبَةِ انكساري ..
مكيدةً مُنتقاة ..”
هِيَ تستنطقُ أفئدَةَ الكلماتِ.. تُعِيدُ اكتشَافَ وجهَ الأبجديَّةِ .. وتحسُّسَ تخومَ المعاني.. تهزُّ جذوعَ لتساقطَ أعذاقِ القصائدِ.. لتهذي سماءُ القصيدِ مطرًا وشعرًا وسحرًا ..
شَاعِرَةُ ظلَّتْ تُلْقِمُ فَمَ المَجَازِ الشَّغوفَ ذُؤَابَةَ رُوحِهَا.. وَتَسْجُرُ من مَوْقدِ القَصِيدِ لَظَى أَعْمَاقِهَا، ممتطيَةً بُرَاقَ المَجَازِ، تَتَحَكَّمُ فِيهِ دُونَ جُنُوحٍ أَو جُمُوحٍ .. تُسَيِّرُهُ يَمِينًا أَو شِمَالًا كَجَوَادِ المُتَنِّبي القَلِقِ المِطْوَاعِ..
شاعرةٌ تعشقُ التَّمَرُّدَ حدَّ الدَّهشةِ؛ حدَّ الانفلاتِ، ألم يَكُنِ الشِّعْرُ إِلَّا تَمَرُّدًا.. خُرُوجًا مَأْنُوسًا على كَلِّ شيءٍ، دُخُولًا مُبَاحًا بِهِ في أيِّ شِيءٍ.. في التَّفاصِيلِ، وفي تَفَاصِيلِ التَّفَاصِيلِ.. وَهْوَ الَّذِي ظَلَّ عَصِيًا عَلَى التَّفَاصِيلِ، وَعَلَى التَّفْصِيلِ..!؟
إنها تشعِلُ أَعْمَاقَهَا شَمْعًا مُبَاركًا لِلَيْلِ القَصِيدَةِ لِتُضِيْءَ مِنْهَا صَبَاحِاتِهَا الوَضِيئَةَ.. لِتُوقِظَ بِهَا نَهَارِاتِهَا الضَّاحِكَاتِ.. الدِّفِيئَاتِ ..
ترسمُ بالحروفِ المونِقَةِ رِبيعَاتٍ أبكارًا تتضَاحَكُ لهفًا وشغفًا وترفًا .. تهذي بِعْطرٍ مختلفٍ.. .. وتشذي بأريجٍ مُغَايِرٍ، وَتُنْبِئُ بأملٍ مُخْتَلِفٍ.. إِنَّهَا تَدُلُّنَا بالشِّعْرِ على الشِّعْرِ، وبالشِّعْرِ على الحيَاةِ وعَلَى الجَمَالِ..
وَتُقُودُنَا بَالجَمَالِ إلى الشِّعْرِ؛ ذلكَ الكائنِ العَذْبِ اليَفْغَرُ الأَعْمَاقَ ابْتِهَاجًا وَاندِهَاشًا وَارْتِعَاشًا ..
ذَلِكِ الطَّرَبِ اليَسْكُبُ في الأَرْوَاحِ ذَوْبَ المَعَانِي العَابِقَةِ، وَيَمْلَؤُهَا بِرِيقِ الأَحَاسِيسِ الشَّائِقَةِ، وَيُسْكِرُهَا بِحُمَيَّا الفُتُونِ، وَيُبْرِئُهَا بِأَعْسَالِ الجَمَالِ الرَّائِقَةِ..
وَغَادَةُ الشَّاعِرةُ .. تَكْتَبُ لِتَحْيَا .. لِتَنْعِمَ بالحيَاةِ حياةً وَشِعْرًا .. حياةً مِلْؤُهَا الحُبُّ.. صَوْتُهَا النَّشِيدُ النَّغُومُ.. وَدَفْقُهَا الإِحْسَاسُ النَّاعِمُ، وَرُوحُهَا الشِّعْرُ البَاقِي .. وَالحَرْفُ المُبِينُ.. وَلِتَبْقَى غَادَةُ والقَصِيدَةُ وَالحُرُوفُ وَالحُبُّ وَالجَمَالُ؛ لِذَا تَأْتِي قَصَائِدُهَا مَغْمُوسَةً فِي الصِّدْقِ الْمَكِينِ.. فِي حُبِّ الحَيَاةِ الوَارِفَةِ، فِي الافْتِتَانِ بِالجَمَالِ الثَّرِيِّ .. فِي التَّعَلُّقِ بِأَهْدَابِ الأَمَلِ الضَّحُوكِ.. فِي اسْتِسْقَاءِ غَيْمَاتِ الأَحْلَامِ الصَّادِقَاتِ.. السَّامَقَاتِ.. فِي اسْتِشْرَافِ الآتِي الحَمِيمِ، العَمِيمِ.. شِعْرًا يَهْطُلُ فَرَحًا وَأَمَلًا وَأُغْنِيَاتٍ..
الوزير جمعة الفاخري شَاعِرٌ وأديبٌ.
اجدابيا: 20 ديسمبر 2022م
الانزلاق في قِطاف الفردوس
الديوان الرابع
Discussion about this post