كتب…خطاب معوض خطاب
وقعت في غرام الفنانة الجميلة نادية لطفي منذ شاهدتها على شاشة التليفزيون لأول مرة، ومن وقتها وأنا أعتبرها بجمالها الهادئ وعينيها الجميلتين فتاة أحلامي ومعشوقتي التي أتمناها، وأصبح قلبي يدق بعنف كلما لاحت أمامي، وحدث هذا حينما شاهدت “سهير” حبيبة عبد الحليم حافظ في فيلم “الخطايا”، والذي غنى لها عبد الحليم في هذا الفيلم عددا من أجمل وأشهر أغانيه مثل “مغرور” و”قولي حاجة” و”الحلوة”، ومن وقتها ولقب الحلوة يلازمها، كما همت بها يوم أن شاهدت “لويزا” التي سحرت عيسى العوام في فيلم “الناصر صلاح الدين” وسحرتني معه، وكذلك يوم أن رأيت “نادية” الرومانسية عاشقة البنفسج في فيلم “سنوات الحب” والتي جعلتني أنا أيضا من عشاقه، ووقعت في أسرها حين شاهدت “شهيرة” في فيلم “لا تطفئ الشمس”.
وأنا هنا لن أتحدث عن الفنانة الجميلة الرقيقة وأعمالها الفنية، بل سأتحدث فقط عن هذه الإنسانة الجميلة التي عملت بالفن، واحتفظت داخلها بجميع ملامح ومواصفات الجمال الإنساني، كما كانت مثالا للوطنية الحقيقية وليست وطنية الشعارات، مثل غيرها من بعض الفنانين الذين كانوا يظهرون الوطنية أمام عدسات الكاميرات فقط، وهم في الواقع أبعد ما يكونون عنها، والفنانة الجميلة نادية لطفي ولدت في مثل هذا اليوم منذ 85 سنة وتحديدا في يوم 3 يناير سنة 1937 وتوفيت في يوم 4 فبراير سنة 2020.
وهي صاحبة تاريخ طويل من المواقف الوطنية ويشهد لها الجميع بذلك، حيث تطوعت في فرق التمريض خلال فترات الحروب التي خاضتها مصر منذ حرب 1956 حتى حرب 1973، فقد كانت تنظم رحلات لزيارة الجبهة والوقوف إلى جوار الجنود المصريين وقت حرب الاستنزاف، كما أنها قامت بالتطوع للعمل بالتمريض بمستشفى قصر العيني وقت حرب أكتوبر، وكانت تقيم فيه وقتها إقامة شبه كاملة، بالإضافة إلى خدمتها في مستشفى المعادي العسكري، وفي ذلك الوقت لم تكتف نادية لطفي بالقيام بأعمال التمريض فقط، بل وكانت تشارك العمال في تنظيف المستشفى ومسح أرضيتها، وكانت ترعى الجرحى والمصابين وكذلك أسر الأسرى المصريين، وكل هذا كانت تفعله بعيدا عن كاميرات التصوير، حيث كانت تفعله فقط حبا في بلادها، وليس من أجل البحث عن شهرة أوصيت بين الجماهير.
وكانت الجميلة نادية لطفي مهمومة بأمتها العربية كما كانت مهمومة بشئون مصر، فخلال فترة الحصار الإسرائيلي لمدينة بيروت سنة 1982، استطاعت بكل شجاعة أن تخترق هذا الحصار، وأن تقف بجانب الفلسطينيين المحاصرين هناك، بل وعرضت حياتها للخطر في ذلك الوقت، حيث ظلت معهم حتى خرجوا من لبنان سالمين، ويحسب لها قولها في ذلك الوقت: “أنا مستعدة أن أدخل في حيطان ونار، مش بس حصار”، ووقتها صورت بكاميرتها الخاصة ما حدث من مذابح في صبرا وشاتيلا، ونشرتها في عدد كبير من المحطات التليفزيونية، وحين ضرب الزلزال مصر في سنة 1992 كانت الجميلة نادية لطفي تحمل البطاطين للمتضررين من الزلزال في قرى مصر ونجوعها النائية كعادتها بعيدا عن الأضواء والكاميرات، ولم تعلن يوما على ما تفعله أو تجاهر به، ولم نكن لنعلم عن ذلك لولا أن قام بعض ما شاركوها بالإعلان عنه.
ومن أسرارها التي لم يكن يعرفها سوى عدد قليل من المقربين إليها، أنها كانت ترتدي في يدها ساعة يد رجالي، وحينما كان البعض يتعجب من ذلك وسألوها عن سبب ارتدائها هذه الساعة، أخبرتهم بأن هذه الساعة هي ساعة يد الفنان الراحل أحمد زكي الشهير بلقب الإمبراطور، وتفاصيل ما حدث أنه قد التقاها مصادفة في أحد الأماكن العامة، ويومها علم أنها قد حضرت للاحتفال بعيد ميلادها مع بعض المقربين منها فهنأها واعتذر لها لأنه لم يكن يعلم بذلك، ولأنه لم يأت لها بهدية فقد خلع ساعة يده وأهداها إليها، ومن وقتها وهي ترتديها ولم تخلعها من يدها نهائيا حتى رحلت عن الدنيا.
Discussion about this post