بقلم الشاعرة والكاتبة … شروق لطيف
وقف أمام المرآة
حدج بصره فيها على وجهه
المرسوم عليها
وأطال النظر
تنهد عاليا شق العنان بصوته
تساءل أين هى نفسه القديمة ؟!!
التمعت عيناه بدمعة
سالت على الخد
وكأنها نادت على أخواتها
تبعناها فى صمت
وتوالى الانهمار
تحول غيثا ً
كان حبيسا ً فى سحب
الذكريات العالقة برأسه
وأخذ الإذن فجأة بالانهمار
جاءه هاتف من أعماق
سريرته قائلا له:
أيا رجلا تجلد
فالانتحاب يكون
للنساء فقط …
لكنه أشار برأسه بالنفى
فعندما يبكى الرجال
يعلنون القوة
والانتصار على الضعف
وعلى العقد الموروثة
فإنها الحاجة إلى الإغتسال
من غبار السنين
الحاجة إلى إزالة تراكمات
الأحزان البالية
ومحو آثار الزمن
فالدموع تجلو مرآة الروح
تنقيها كالبلور
تصقلها
ترهف سيف العزيمة
يعود لامعا ً كسابق عهده ِ
فى الشباب
بكى وبكى حتى امتلأت
كؤوس روحه بالرواء
وتسربت إليه مشاعر
الحنين إلى الطفولة
والبراءة الأولى
وبكاءه القديم عند
فقدانه لبعض الحلوى
عاود التفكير
فى كم معاركه
الخاسرة فى ساحة الحياة
انهزاماته أمام رؤوس للشر
انكساراته العاطفية
توقعاته التى باءت بالفشل
خططه التى تمزقت إربا
أحلامه التى تقوصت
أمنياته التى تبخرت
ونجاحاته التى لم تقنعه
وفجأة …
أمسك بزجاجة العطر
وألقاها فى وجهه
على المرآة لتتحطم …
صوت زجاجها فى أذنه
خلق شجنا ً
عزف لحنا ً
استعذب سماعه
وماكان إلا صوت تفتت
قنينة تعاسته وعناءه
المترعة بالحسرة
نعم وها هى هشة زجاجية
فتتها مثل الغبار
الذى تذرو به الرياح
فلم ّ لم يكسرها
منذ سنين ؟!!
كان يهرب منها سابقا ً
أما الآن فقد واجهها
تحداها
نازلها نزال الشجعان
شعر بزهو الإنتصار
ثاب إلى رشده
خرج لعله يعثر على
مرآة بمواصفات جديدة
مر ّ على النهر المتاخم لمنزله
ارتشف بيديه بعض القطرات
تفاجأ بصورته
انطبعت على ماءه الرقراق
وهنا اندهش من وقع الصدمة
إذ شكله فيها قد تغير
ابتسامة جديدة ارتسمت على ثغره
وعيناه بدأتا فى الإلتماع
وحمرة الشباب دبت على وجنتيه
بارقة أمل بدأت تلاطف
قسماته الواجمة
ماذا حدث ؟!!
تيقن أن العيب لم يكن فى المرآة
إنما ما كانت تخفيه وراءها
من أسرار
وتكبله من أغلال
أدرك أن روحه تنفست الصعداء
عندما حررها من أغلالها
فأيقن حينئذ بأن
عند البوح تشفى القلوب ….
Discussion about this post