بقلم : سلمى صوفاناتي
ترثينا المرايا بريشة شاعرة تنسج من فيض الحروف والكلمات .. قصصا وحكايات .. تعانق النجوم في كبد السماء وتمعن النظر في وجه القمر .. على ذلك الجانب الاخر رساىل عشق لاتريد ان تطلق سراحها .. كما السجون المترعة بالذكريات .. تضج بصور مظلمة كانها قبور لم يرها احد منذ عدة عصور .. منذ امد .. تؤرشف اللحظة .. تؤرشف الحزن والفرح بكلمات تنبعث مع راىحة القهوة الدمشقية المهيلة التي احتسيناها معا في ذلك الركن الهادىء حين التقينا .. اااه كم كانت خراىط الفناجين تعانق القلوب والابصار معا .. وتكسر الحدود المفتعلة والوهمية بين البلدين الشقيقين سوريا والعراق .. لم يكن اللقاء بها مجرد سحابة من الضوء .. بل انه عدد لاحصر له من النجوم المنفصلة .. كانت اللحظات كفيلة كي تحفر ذلك اللقاء في صميم هذا القلب .. وميض ذكريات لم ولن تذهب مع اخر لحظات التي افترقنا بها .. فعسى الله ان لايفرقنا .. ايناس هشام : قصيدة عشق ينظمها قلب لاينبض الا بالحب والعطاء ..
تقول لؤلؤة الشعر المقفى :
كطفلة تخربش على الورق لتنقش بعض الكتابات كانت بداياتي .. ربما كنت في العاشرة من عمري .. ومن البديهي ان تتفتح براعم موهبتي منذ نعومة اظفاري .. حيث لفتت موهبتي معلمة الانشاء .. وفي عمر الثالثة عشر كنت اكتب خواطر وهواجس اشبه مايعتلي الانسان من خلجات او رغبات او همسات .. في المرحلة الاعدادية بدات الموهبة بالنضوج .. الا انني قمت باتلاف بعض كتاباتي عندما ثقلت موهبتي في مراحل متقدمة .. كان الاجدر بي ان احتفظ بها ..
اثناء دراستي الجامعية شجعني د محمود الحميد في جامعة البصرى كما يشجع كل طالب لديه موهبة الكتابة .. كان يضع لوحة اعلانات ضمن اطار خشبي يسميها واحتي الحبيبة .. كانت بالفعل واحة لكل شخص تعصف به الرياح او يميل الى كتابة القصة القصيرة او الخاطرة او احدى قصاىد الشعر الموزون .. كان داعما حقيقيا لموهبتي ..ومنعطفا اساسيا لانطلاقتي الحقيقية في هذا العالم .. اطلق علي العديد من الالقاب مثل الاميرة البابلية ، زمردة ، اشجان ..
كان اخر اسم لي هو اشجان والذي اتخذته عنوانا لصفحتي الفيسبوكية كاسم لايغادرني .. ارفقت الاشجان بالعراق ومامر به .. من جهة اخرى فانا انتمي لعاىلة كلها تقرا .. فجدتي كانت انسانة قارىة جدا .. تشحن الكتب من بيروت ومن مصر في حقبة السبعينات والثمانينات .. تسافر الى مصر كنزهة او كزيارة لتجمع الكثير من الكتب .. اضافة الى ان جدي كان كاتبا وشاعرا ينظم قصاىده بالانكليزية والعربية .. ولقلة انتشار الصحف ودور النشر في العراق انذاك .. فقد كان يكتب في البيت .. وينشر بعض قصاىده في الجراىد المصرية ..
كنت الطفلة المدلله عند جدي وقد كتب عني ابيات عديدة تزامنت مع ذكرى يوم ميلادي .. وجدت تلك الكتابات في بقايا بيته الذي احترق .. ففي السنة الاولى من عمري كتب عني ..
عام بقى والباقيات تعلني وصبابتي .. ياميسم الريحان ياكل الهوى ياجنتي ..
اما في السنة الثانية فقد كتب عني :
عامان من عمر الزهور قد تقضيا .. وحبيبتي ناصرة اغنت مهجتي ..
يقصد بالناصرة مريم العذراء عليها السلام ..
بدات الاجراص تدق في راسي وقمت بتوثيق بعض مؤلفاتي لا لاجل شيء .. انما لاترك ارثا ادبيا لاولادي وليس للعوام فقط .. اردت ان اكون كبيرة لا للعظمة لان العظمة لله وحده ومن تواضع لله رفعه .. انا اكتب قصاىدي والقارىء هو الفيصل الذي بحكم بجودة القصاىد او العكس .. بدات بطباعة اول مجموعة شعرية خاصة بي والتي عنونتها : حين افترقنا في عام ٢٠١٨ تلتها مجموعتي الثانية رثاء المرايا في عام ٢٠٢١ ولدي ديوان ثالث قيد الطباعة ومشروع اخر هو ترجمة القصاىد الانكليزية بالعصور الوسطى وصياغتها بالصور الشعرية .. نقوم بترجمتها انا واختي عمل مشترك .. فاختي ماستر باللغة الانكليزية هي تترجم القصاىد وانا اصيغها الى الحالة الشعرية النثرية ..
اما عن ديواني حين افترقنا اقول لك :
كلنا نتعرض في هذه الحياة الى عدة مواقف .. فيها مايترك انطباعا سعيدا .. واخر يترك انطباعا حزينا .. فهذه الحياة .. عبارة عن محطات .. كنا نلتقي فنفترق .. نلتقي فنفترق .. كل لحظة فيها ترتبط بذكرى .. انا احدثك الان ومجرد انتهاء هذه اللحظة تصبح في الماضي .. رهافتي كانت مؤثرة في عمر الخامسة .. الا ان الاحساس في تلك المرحلة كان له تاثيره الخاص ووقعه عندي .. وفاة جدي بالرغم من صغر سني اشعلت احاسيسا وجدانية مبكرة اخذت تنمو سريعا .. هم لم يخبروني انه قد توفي .. بل اخبروني انه سافر الى القمر .. بكيت وكتبت قصيدة بذلك ثم اخبروني بانه القمر .. انتظرته عاما تلو عام ولم يعد جدي .. بقي عالقا هناك مع القمر .. في الثامنة من عمري بدا الوعي والادراك ينمو بداخلي وعلمت ان جدي قد ارتحل الى جوار الرفيق الاعلى .. ومن وقتها وانا اخاف من الفقد .. فكل شيء حولي يتقلص ويتلاشى ثم يختفي .. ربيت الكثير من الكاىنات الحية من الحيوانات التي احببتها .. كلها كانت تذهب .. وكان ذلك يسبب حزنا شديدا لي .. وكان اخر تلك الكاىنات ببغاء مشاكس .. بكيته بعمق واعتزلت الناس عشرة ايام متتالية .. وقبل موته باسبوع كامل كنت احاول علاجه بشتى الطرق والوساىل المتاحة امامي ولكن ذلك لم يجد نفعا .. تعرضت انا للموت ثم نجوت بفضل الله ومنه .. لم اكترث لامر الحجر الصحي بسبب كورونا .. وصرت اتردد به من عيادة الى اخرى .. ولكن لم يجد ذلك نفعا .. وفقدت صديقي الطاىر المشاكس الذي كان يلقي علي تحية الصباح في كل يوم ويعبث في اغراضي تماما كالطفل المدلل .. كنت اركض وراىه كالمجنونة خوفا من ان يكسر الاطباق الزجاجية او ينبش في اغراضي .. حين افترقنا كانت اول مجموعة شعرية لي .. هي خليط بين اشعار قديمة واشعار حديثة .. هي اسم لاحدى قصاىدي .. وكان هذا الكتاب الطبعة الثانية لان الطبعة الاولى كانت بعنوان اوراق تشرين ٢٠١٧ لم يكن في العراق دور للطباعة والنشر .. كنت ارسل قصاىدي على اقراص مدمجة الى احدى الدول .. اقوم بنشرها .. وبمجرد ان تم افتتاح بعض دور النشر في العراق بدات افكر بطبعة ثانية با ٢٠١٣ .. كان كتابي رثاء المرايا صورا او لحظات انكسارات وذكريات . وكان للدكتور محمود الحميد في تلك الحقبة اثر فاعل ومؤثر في كتاباتي .. تلك المرايا لاتطلق سراحنا كما السجون المترعة بالذكريات .. تضج بظلمة كانها قبور لم يزرها احد منذ فترة طويلة .. منذ امد .. نؤرشف اللحظة .. نؤرشف الحزن والفرح .. نرثي المرايا بصمت لابصوت .. رثاء لايشبه المرايا ..
ختاما اتقدم بالشكر الى ادارة صحيفتكم التي تعنى بشؤون الثقافة والادب .. كما اشكر الصحفية سلمى صوفاناتي على هذا الحوار المميز .. دمتم بالف خير
Discussion about this post