لقاء الكاتب أحمد طايل مع الكاتب محمد زعل السلوم
رؤى حوارية ..
========
..كنت أتحدث مع أحد الأصدقاء المبدعين عبر الفضاء الإلكتروني، وتطرق بيننا الحديث حول أدباء تركوا بلادهم لظروف قهرية وليست بإرادتهم، حينها حدثني عن كاتب متعدد الكتابات بالعديد من مناحى الإبداع، وأنه غزير الإنتاج، حتى وصلت إصداراته ما يتجاوز الستين إصداراً، وبحاسة المحاور أيقنت أني أمام كنز، فدفعتنى اللهفة الفضولية من صديقي أن يعرفني به، وقد كان، تواصلت معه، وطلبت منه أن يسمح لي بحوار معه، وتفقد وهذا أسعدني كثيراً، حواري مع الكاتب الشامل، السوري المغترب بتركيا..
( محمد زعل السلوم)
= إذا أخرجنا حافظتك التعريفية، إنسانا، مبدعا، إصدارات، أخبرنا عن محتواها، بكل إستفاضة؟
محمد زعل السلوم مواليد دمشق 3 نيسان 1979 وأنا أنحدر من عائلة جولانية نزحت عام 1967، واليوم أعيش منفاي الثاني في اسطنبول ولا أعلم أين فيما بعد؟
شاركت بدايات القرن الحادي والعشرين بديوان باللغة الإسبانية مشترك في دمشق، وطبعت عام 2014 ثلاثة دواوين شعر هي عُرمة قمح والحب والتكوين وأوبوا، خريج الأدب الفرنسي جامعة دمشق ودرست الماجستير السمعبصري بالمعهد العالي للترجمة الفورية والترجمة جامعة دمشق، وحاصل على معادل ماستير بالتربية وعلم النفس صادر عن الأونروا خلال أعوام تعليمي الفرنسية في مدارس اللاجئين الفلسطينيين بدمشق.
عملت بمنظمات إغاثية واسعافية كمتطوع في منظمة فرنسية وأمريكية ويابانية عامي 2016-2017، وبعد لجوئي لتركيا كنت عضوا في بيت اسطنبول الفرنسي وعضو رابطة الكتاب السوريين في لندن.
نشرت دراسات ومئات المقالات في مركز حرمون للدراسات وموقع جيرون وعشتار وآفاق حرة وزي بوست وألوان نيوز والعربي الجديد وغيرها من المجلات والصحف.
صانع 65 عمل لليوم :
تنقسم أعمالي بين الرواية والشعر والترجمة والسياسة والكتب النقدية والمجموعات القصصية وهي حتى اليوم :
أعمالي الشعرية والنثرية :
1-الحب والتكوين، 2014 دمشق دار بعل
2-أوبوا، 2014 دمشق دار بعل
3-عُرمة قمح، دمشق مطبعة مراد 2014 ودار شرفات تركيا 2020
4-وتبقى دمشق، دار شرفات تركيا 2020
5-ألفية بغداد، دار شرفات تركيا 2020
6-ألفية الجنون، دار شرفات تركيا 2020
7-إكليل الغرباء، دار شرفات تركيا 2020
8-هانامي الياسمين، دار شرفات تركيا 2020
9-هافامال، دار شرفات تركيا 2020
10-النبش والهذيان، دار شرفات تركيا 2020
11-أيتام محمد (مادالا)، دار شرفات تركيا 2021
12-الخوارج على الحب، دار شرفات تركيا 2021
13-نثريات حالمة، دار شرفات تركيا 2021
14-تغريدات الليل والوجد، دار شرفات تركيا 2021
15-كومامون كوماموتو (ساموراي السعادة)، تركيا 2022
16-هانا واساكو، دار شرفات تركيا 2021
17-طريق الشام يا بيروت، تركيا 2022
18-فيكتوريا الأندلسية، تركيا 2022
19-ديوان الرثاء، تركيا 2022
20-نبطيات، تركيا 2022
21-إلى ياسمين، تركيا 2022
22-أسود أحمر، تركيا 2022
23-هايكو عربي، تركيا 2022
24-جذاميات، تركيا 2022
25-الديوان الاسباني المشترك دمشق 2005 معهد ثربانتس الإسباني
26-هايكو معتقل سوري في زنزانة تركية 2022
أعمالي الروائية :
1-مشرد البوسفور، دار شرفات تركيا 2021
2-حب في زمن الكورونا، تركيا 2022
3-ساموراي اسطنبول، تركيا 2022
4-رحلة شنب
مجموعاتي القصصية :
1-طفولة نازح من الجولان
2-ذكريات ياسمين دمشقي
3-قصص قصيرة جداً
4-دنون وثرثرات كاتب
5-لو لم يكن هناك شمال
6-زنزرخت
7-حط بالخرج
كتبي السياسية :
1-وقالت الصفحات
2-سوريا اللاجئة
3-الحروب السورية
4-الحروب الأمريكية الصينية
5-إيران والربيع العربي
6-الغزو الروسي لأوكرانيا 2022
7-سوريا 1967 في الوثائق البريطانية
8-سوريا والشيوعية في الوثائق البريطانية (1954-1967)
كتب الجمع والتوثيق :
1-محمود درويش كاتباً في زاوية الأدب (1961-1962)
2-جودت سعيد العلامة اللاعنفي
كتب حول الجولان :
1-طبوغرافية وقرى الجولان
2-مقالات متنوعة عن الجولان
3-رحلات عربية إلى الجولان
4- البطيحة في الأرشيف الفلسطيني (1935-1936)
كتب مترجمة عن الفرنسية :
1-خمريات الشعر الفرنسي
2-قصيدة الربيع الفرنسية
3-قصيدة الصيف الفرنسية
4-قصيدة الخريف الفرنسية
5-قصيدة الشتاء الفرنسية
6-القصيدة الثورية في موزامبيق
7-مختارات من الشعر العالمي
كتب دراسات نقدية :
1-أفلام أثرت في المجتمعات الغربية
2-أفلام غيرت حياتي
3-أفلام أوسكار 2022
4-روايات كندية تحولت إلى أفلام
5-دراسات نقدية من الحياة الثقافية
6-اتجاهات الأدب السوري بعد الثورة
7-أدب اللجوء
= لكل كاتب صاحب قلم، عتبات ومراحل صعدها للوصول إلى عتبات القمة، ماهى بكتاباتك؟
ربما كانت عتبتي الهامة في الكتابة هي عندما كنت عضو فاعل في جمعية الأدباء العرب قبل أكثر من 14 عام وقبل ذلك عندما كان لي مدونة في موقع جيران الذي أغلق فيما بعد وانتشار ظاهرة المدونين العرب، ربما الانترنيت ساعدنا أن نكون صانعي ثقافة لا متلقين لها كما اعتدنا لعقود طويلة، فجريدة النظام واحدة وكتاب النظام محدودون وما يصلك من العالم العربي وفكر آخر مبستر، وبالتالي أنت مغيب عن الفكر العالمي، حتى عندما دخلت جامعة دمشق عام 1999 لم تكن تفسر رواية اوجيني غرانديه لاونوريه دو بالزاك كما يجب، بمعنى أنها عن بشاعة السلطة الأبوية بل تم تفسيرها بطريقة ساذجة تنم عن تجنب الرقابة على الأدب الفرنسي بجامعة دمشق، وحتى رواية الغريب التي تعكس عبثية الحياة وجيل ما بعد الحرب العالمية الثانية لألبير كامو وانما التركيز على شخصية مورسو الرئيسية بأنها عدمية ولامبالية ونموذج لقلة الاهتمام وهو فعليا متمرد على السلطة والقانون ويعبر عن شخصية أناركية لم تعد تجد لحياة البشر قيمة، وحتى رواية الغثيان لجان بول سارتر وشخصيته الرئيسية روكنتان التي قرفت نفاق البشر من كافة النواحي مثل السلطة الكاذبة والدين الكاذب والمجتمع الكاذب الذي يتزيى بزينة النفاق المثير للغثيان، ربما روكنتان عدمي لكن كل ماذكر أوصل لأكبر عملية تدمير للبشر ألا وهي الحرب العالمية وكذلك أوضحت الرواية بأن ما وراء مرآة روكنتان الكثير من التجاعيد تماماً كرؤية سيوران السوداوية لهذا العالم الفاقد لإنسانيته والوحشي بالأساس.
ربما عتبة الأدب الفرنسي كانت الأهم في حياتي ولازالت تلازمني لليوم لذلك شرعت بمشروع خاص بالأدب الفرنسي لأني وجدت فيه الكثير من التفسيرات لعلاقتنا كبشر بوجودنا ذاته وحتى لرؤيتي لفكرنا العربي والإسلامي البعيد عن سرب الأنظمة العربية المتيبسة والمتخشبة.
أيضاً العتبة التالية كانت اهتمامي بتاريخ أرضي التي نزح منها أهلي عام 1967 بسبب الاحتلال الصهيوني وقد بدأت الكتابة أو المساعدة في الكتابة والتوثيق، فوجدت أن تاريخنا غير التاريخ المعلب الذي أرساه النظام في شاشات التلفاز وكلام المتأنقين المنافقين الذين ينفون حتى وجودنا كشعب تم تهجيره من قبل الاحتلال، فكنا نصنع حتى السياسة في بلادنا وكانت لنا مكانتنا ودورنا في الاستقلال السوري الحديث وكانت قضيتنا مرتكز في الخارطة السياسية العربية لا جانبية كما حاول سياسيوا بلادنا تصويرها ليغطوا على هزائمهم وعارهم وخيانتهم.
أعتقد مررت بالكثير من العتبات خلال حياتي والفضل الأول والأكبر هو تعرفي على الفكر الغربي وخاصة الفرنسي فكانت نافذة هامة أولى وكذلك اللغات التي اقتربت منها ومن ثقافاتها وعتبة ثورة التواصل الاجتماعي التي فتحت كافة الأبواب أمامنا بعيداً عن الأبواب العفنة المحيطة بنا.
= ما تأثيرات النشأة والبيئة والمكان والزمان عليك ؟
نشأت في ضواحي دمشق بجديدة عرطوز والتي تقع بالريف الغربي لها، وفي تجمع لنازحي الجولان وهي إحدى عشوائيات البعث التي تشكلت بعد نزوح أكثر من 135 ألف سوري من أبناء الجولان، وكانت تابعة لمحافظ القنيطرة فكانت بيئتي ذات طبيعة عشائرية ووالدي شيخ قبيلة العجارمة وقبله جدي، وكانت هذه القبيلة الجولانية مشتتة في عشوائيات البعث كغيرهم من العشائر الأخرى في أربع محافظات سورية هي دمشق وريفها ودرعا وحمص، وكان اختلاطي بالبيئة الدمشقية من خلال الجامعة ومختلف أبناء المحافظات السورية القادمين للدراسة في جامعتها، وقبل ذلك كان لي اختلاط ببيئة جديدة عرطوز البلد وفيها تنوع بين فلاحين سنة ودروز ومسيحيين وأضيف أن الجولان ذاته متنوع فلم يشكل لدي الفارق الكبير، بل أتقبل الجميع وكذلك العشائر عندنا متنوعة وهناك تركمان الجولان وشركس الجولان والدروز والفلاحين وكنا جميعاً وعلى الدوام أسرة واحدة ينتمي أحدنا للآخر، هذا التنوع الجميل والناعم أثرى هويتي وهي هوية نازح فكتبت مجموعتي القصصية طفولة نازح من الجولان، وبعد تخرجي من الجامع توظفت كمعلم لغة فرنسية في منظمة الأونروا لأقترب أكثر للبيئة الفلسطينية وخاصة أن أغلب الفلسطينيين في سوريا من البيئة المجاورة للجولان مثل قضاء صفد والناصرة وعكا وحتى وصولاً لحيفا ويافا فكانت ثروة إضافية لمعارفي، عدا ذلك كان يزورنا أقارب من لبنان والأردن وبعد الغزو الأمريكي للعراق كانت فرصة التعارف عن قرب بالشعب العراقي الشقيق لأكتشف فيما بعد أن منهم في عداد أقاربي، وعدا ذلك كان والدي يعمل في السعودية وكانت هناك زيارات لأصدقائه كل صيف لدمشق، بكل بساطة كان العالم العربي موجود في دمشق وحتى بجامعة دمشق هناك الكثير من العرب، عدا ذاكرتي السينمائية والدرامية المصرية. وما نشاهده على الشاشة السورية والأردنية واللبنانية، حتى جاء عصر الستالايتات لنشاهد العالم العربي أجمع بل وحتى العالم، أيضاً كان لي نشاطات ثقافية بدمشق خاصة المركز الثقافي الفرنسي حيث المسرح الفرنسي والسينما والموسيقى فضلاً عن دار الأوبرا ومعسكراتي الصيفية في المكتبة الوطنية بدمشق وكنت أقضي الساعات الطويلة في القراءة، وقبل حتى وظيفتي في الأونروا كنت معلم خصوصي وكنت أتنقل في بيوت دمشق وهي تجارب ثرية، وفوق ذلك كان هناك بيت القصيد في برج الفردوس للقمان ديركي وكان منبر حر لكافة الشعراء العرب ومن العالم حتى أحمد فؤاد نجم رحمه الله زاره ذات مرة وكم احتفيت بصورة لي معه، ومهرجانات الجاز بقلعة دمشق وعيد الموسيقى الفرنسي العالمي كل عام حيث نتنقل من بيت دمشقي لبيت دمشقي في الشام العتيقة وبين حاراتها مثل بيت جاك مونتلوسون وبيت الخطيب وبيت نظام وكنيسة الزيتون وأمام الجامع الأموي ومقهى النوفرة ومقهى الحجاز والروضة، كان مكاني دمشق بروعتها وغناها ولياليها وروحها.
= متى نبتت بداخلك بذور الإبداع؟
كان والدي يشجعني على الكتابة وخالي وعمتي يزودوني بالكتب والمجلات وكانت والدتي تشرف على كتاباتي الأولى رغم سذاجتها آنذاك إلا أنني كنت أحب الكتابة، بل ومن شدة شغفي كنت في فترة التسعينيات مولع بالراديو واستمع لحوالي السبعين إذاعة عبر العالم منها اذاعة القاهرة البرنامج الثقافي والبي بي سي ومونت كارلو وإذاعة موسكو واذاعة بكين وبغداد وعمان والرياض والكويت وطوكيو والشرق من باريس وإذاعة الشرق الأوسط من القاهرة وكنت أستمع للتمثيليات عن الروايات العالمية والمسرح العالمي ومجلات العلوم وأخباره، بل وكنت أقوم بتسجيل تلك الحلقات على شريط الكاسيت وتفريغها على الدفاتر، كل ذلك كان يحفزني على الكتابة وتجربة الكتابة، عدا نهمي لقراءة مجلة العربي الكويتية والمختار الأمريكية والمستقبل التي كانت تصدر في باريس وكنت أحصل على أعدادها القديمة من مكتبة خالي. أيضاً لأن والدي يهتم بالشعر النبطي فبدأت كتاباتي بالشعر النبطي وكنت أستمع لبرنامج ديوانية النبط وبقايا الليل في إذاعة الكويت وقصائد نبطية كل ليلة في إذاعة الرياض، لأقوم بمحاكاتها، ولاهتماماتي السياسية كنت أوثق الأحداث السياسية لكل بلد عربي سواء من صحيفة الحياة البيروتية أو الشرق الأوسط السعودية والتي كنت أتابع وبشغف مقالات أنيس منصور وسمير عطا الله وكذلك مجلة المجلة السعودية والكثير من المجلات السياسية من القاهرة وبيروت. القراءة كانت حافزي للكتابة ففي السياسة كتبت المسرح الخفيف الساخر من الأوضاع العربية وخاصة القضية الفلسطينية وتطورات الوضع اللبناني وغزو العراق للكويت ومباحثات السلام، جميعها كانت أحداث كبرى وكنت أستمتع بعد منتصف الليل على صوت أم كلثوم وكلماتها الجميلة على أثير إذاعة أبوظبي، بل وكنت أتابع حتى إذاعة صوت إسرائيل من أورشليم القدس لأسمع الوجهة الأخرى، ولا أنكر أنني كتبت قصيدة بسيطة وأنا بعمر ثمانية أعوام.
= الحكايات التى سمعتها وشاهدتها بمرحلة الطفولة والصبا، هل كانت حافزا لأن تسكب ذاتك على الورق؟
ربما حكايات جدتي رحمها عن الجولان كانت حافز كبير لي للكتابة، فضلاً عن مجالسة كبار السن والإصغاء لأحاديثهم عن الجولان وكيف يصيغون حكاياتهم بطريقة مذهلة عن حقائق عاشوها، حيث كنت أجلس لخدمة ضيوف أهلي، وكم أكون مسروراً حين أرافق والدي لسهرات الأقارب وحديثهم الدؤوب عن تحولات سوريا في أيامهم وأحاديث السياسة وحال الناس.
= من كان قارئك الأول؟
والدي رحمه الله يحب قراءة ما أكتب، وكذلك ووالدتي وعماتي وكان الجميع يشجعني على الكتابة.
= أي الأجناس الإبداعية أقرب لك ؟
الشعر ففيه أجد الكون الرحيب والرمزية والإقتراب أكثر من ذاتي الحالمة.
= أحكي لنا عن قراءاتك الأولى ومدى تاثيرها على تكوينك الفكري؟
تفجرت قراءاتي الحقيقية بعد دخولي جامعة دمشق، وكنت أحاول على الدوام توفير المال لشراء ما يمكنني شراءه من الكتب الموزعة على بسطات الحلبوني، وقد قادتني لقراءة الروايات أكثر وفي عام 2000 عندما تقدمت للمعهد العالي للفنون المسرحية بدمشق تحولت نحو قراءة المسرح فقرأت كافة أعمال موليير وشكسبير وكنت أستمع لأعمالهما سابقاً عبر إذاعة البي بي سي عن إذاعة القاهرة مثل مسرحية البخيل وحتى مسرح هنريك ايبسن، ولكن القراءة عالم آخر ربما يمكن لفنان عظيم أن يوصل لك مشاعر عطيل عبر الأثير لكن عندما تقرأه بنفسك فهناك حالة أخرى وكما ذكرت سابقاً كانت لرواية الغريب ورواية الطاعون وكلاهما لألبير كامو تأثير كبير علي وكذلك أعمال غابرييل غارسيا ماركيز وواقعيته السحرية في حب في زمن الكوليرا ومائة عام من العزلة وأعمال ديستوفسكي مثل المقامر والجريمة والعقاب التي قرأتها كاملة وفي جلسة واحدة بالمكتبة الوطنية ولعشر ساعات متواصلة، ورائعته الأخوة كارامازوف وأعمال نيكولاي غوغول واونوريه دو بالزالك الكاملة وعزيز نيسن وفولتير وغيرهم الكثير وبكل بساطة أخذت بناصية الأدب الكلاسيكي العالمي والعربي مثل نجيب محفوظ بالطبع وكتاب المغرب العربي في فرنسا وأمين معلوف وهيفاء البيطار وعبد السلام العجيلي وعدد كبير آخر من الروائيين العرب الذين أعتبرهم أساتذتي.
= عندما تكتب، تكتب لماذا، ولمن تكتب؟
في البداية أكتب لنفسي وبذات الوقت للناس، لأنني أشعر على الدوام بأن لدي بحصة علي أن أبقها بمعنى شهادة على عصري علي أن أدلي بها وكأنني داخل محكمة التاريخ البشري، ربما لا أقصد التأريخ ولا التوثيق بقدر ما أرغب بإعطاء أجواء الزمن الذي أعيشه نوع من الحياة والروح، ربما هناك مقولة لكامو تقول الصحفي مؤرخ اللحظة وكذلك الكاتب مؤرخ الروح، وكتابتي ربما تحمل رسالة ما وربما تشير لعصر ما مثل ألفية بغداد التي تؤرخ لغزو بغداد عام 2003 وألفية الجنون عندما اجتاح ساحات العالم جموع البشر المناهضة لنية بوش غزو العراق أيضاً عام 2003. وعندما كتبت إكليل الغرباء أرخت لحمام الدم السوري وهانامي الياسمين لعلاقتي باليابان بعد كوارثها الثلاث عام 2011 وكيف لسوري أن يشعر بتزامن ثورته مع كوارث اليابان وكانت قناعي للإسقاط على أدب الكوارث خاصتي في بلدي.
= ما مدى حلمك الأدبي؟
حلمي الأدبي ربما لا يتوقف عند حد معين فالتجارب الإنسانية وسعة الإطلاع تحفزني على الدوام لأن أكتب وحتى عندما تم اعتقالي مؤخراً في تركيا وتنقلت من كراكون لآخر حتى بقيت 24 يوم تقريباً بسجن أضنة ومهدد بالترحيل كتبت قصائد هايكو ساخرة، اكتشفت أنني أدمن الكتابة بل وحتى كتبت عريضة لمنع ترحيل الشباب السوري الذين كانوا معي وكتبت استبيان ومناشدة. الكتابة في دمي وبشكل يومي، أحياناً أشعر بعدم الرغبة إلا أن جمرها يحرقني فلابد أن أستمر، ربما أخجل من بعض كتاباتي وأجدها ساذجة بعض الشيء وبذات الوقت أفخر ببعضها الآخر وأتساءل بيني وبين نفسي متى كتبت هذا ولماذا، طبعاً أنا متغير على الدوام في تجاربي وما كتبته قبل ربع قرن ليس كما أكتبه اليوم وربما أكتب القصيدة العمودية ذات يوم ولو أنني جربت كتابتها عدة مرات، وكذلك في الرواية لدي تحولات حادة وفي كل مرة أكتب أكثر أصبح أكثر نضجاً ورغبة في الالتزام بقواعد رصينة أشد وهو ما يؤخر إصداراتي على الدوام لتختمر وتنضج أكثر.
= مشروع يشغل فكرك وتتمنى أن يظهر لأرض الواقع، بعدها تتنفس الصعداء، أنك وصلت لذروة حلمك؟
مشروعي هو صناعة 350 كتاب ربما أحتاج لعشر سنوات على الأقل لإنجازه، وربما يخترعوا لنا ما يسمى الكتابة العصبية بعد أن اعتدنا على الورقة والقلم وبعد ظهور جيل الزيرو اعتدنا على التنضيد واستغنينا عن القلم، وأصبحت الكتابة أكثر دقة والتوثيق أفضل، ربما تلك الكتابة العصبية من الأفكار ستوفر علي الكثير من الزمن في مجالي الترجمة والجمع والتوثيق والمحاكمة العقلية، وهذا أكثر ما أصبو إليه فكما أصبو لنشر الأدب الفرنكفوني في العالم العربي أصبو أيضاً لانتشار الأدب العربي جنوب الصحراء والساحل الإفريقي وما وراء البحار وأعزز الأدب العربي في أوروبا بالدراسات النقدية وللأسف فقدنا آداب عربية انقرضت في الأمريكتين والأندلس وأتمنى مع تطور اللغة العربية عبر وسائل التواصل وانتشارها احياءها في الهند وغيرها كما كانت متطورة من قبل.
= علمت انك تتكبد الهايكو الياباني، عرفنا بماهية الهايكو، واشكالة، وأن الذى إستهواك بهذا العالم؟
في الحقيقة تستهويني اليابان والثقافة اليابانية منذ حوالي الثلاثة عقود وأكثر، وكنت أستمع للترجمات العربية لتلك اللمعات الشعرية التي نسميها الهايكو، والهايكو الياباني مختلف جذريا عن الهايكو العالمي وإن يلتزم السطور الثلاثة من حيث المبدأ ومقدمة وموضوع وخاتمة أو المفاجأة الشعرية في السطر الثالث، إلا أن الهايكو الياباني له قواعده الخاصة باللغة اليابانية وأعمل على ترجمة كتاب حول تطور الشعر الياباني منذ بداياته حتى القرن التاسع عشر عن اللغة الفرنسية، وفي الحقيقة كتبت الهايكو متأخراً جداً، خلال العام الماضي عندما طلب مني صديق ياباني المشاركة في مسابقة الهايكو العالمي في مدينة كوماموتو، وكان الشرط كتابة ذاك الهايكو باللغة الإنكليزية وبالفعل فكرت جدياً بتجربة الهايكو، ولكنني أعتقد أنني إذا شاركت هذا العام فستكون نتيجتي جيدة ومتقدمة، ورغم أن الهايكو متعدد الموضوعات فهناك هايكو الطبيعة والفصول والهايكو فوكيو أي الساخر وبرع فيه باشو وبوسون وشيكي وكوباياشي وهو شعر الومضة والتأمل بالنهاية، وقد كتبت عدد لا بأس به منه هايكو الزهور وهايكو معتقل سوري في زنزانة تركية وكان ساخر، وحتى دخلت بالإيديولوجيا وهو ما يتنافى مع قصيدة الهايكو الأصلية لكن الهايكو العربي تطرق لذلك.
= مدى تأثير الغربة على كتاباتك؟
أنا غريب في الأصل في بلادي لأني نازح وبالتالي كان لدي بحث دائم عن هويتي، وبعد الثورة بسنوات لجأت إلى تركيا عام 2017، فكتابتي داخل سوريا كانت عن غربة نازح من الجولان وفي تركيا عن غربة سوري في اسطنبول.
= الترجمات من وإلى العربية، هل تؤدى دورها بجدية فى عالم الإبداع؟
قبيل حرب أوكرانيا ترجمت قصائد للشعر الأوكراني الحديث عن الفرنسية فشعرت بحجم انقسامات الهوية الأوكرانية فمنهم من كتب بالروسية ومنهم من كتب بالأوكرانية وجميعهم كانوا يشعرون بالتشرذم وهذا ما جعلني أتفهم بالضبط ماهية تلك الحرب، فالترجمة ليست مجرد مساحة لتفريغ المعلومات بل هي روح تنقل المكان، فقراءاتي لروايات إليف شافاق التركية وكذلك أورهان باموك وعزيز نيسن الروائيان التركيان العظيمان جعلاني أرى إسطنبول بطريقة مختلفة جداً عن بقية السوريين والعرب القادمين إليها، ربما لأنني أشعر بأرواح المكان والوصف بشكل آخر وهذا لوحده لغة خاصة أخاطب من خلالها أمكنة إسطنبول، فترجمة الآداب عظيمة تجعل لديك عين ثالثة أكثر تفوق في قراءة المكان، ففضل الترجمة سيشعر به المتنقل بين الأمكنة، عدا أنها تصنع أجنحة للقارئ وتسافر بعيداً به إلى العالم.
بالفعل قراءاتي لترجمات غيري وتجاربي الخاصة جعلتني أعيد النظر في كينونة الترجمة، فالمترجم ليس مبدع فحسب بل هو مرشد نفسي وسياحي ومتعمق بالفكر البشري.
= من الكتاب والكاتبات الذين تحرص على متابعة إنجازاتهم الفكرية والإبداعية؟
أهتم لقراءة الكثير من ابداعات الكتاب مثل أمين معلوف ومحمد فتحي المقداد وفواز حداد وتيسير خلف وحجي جابر واياس غالب الرشيد وأبحث عن الأدب العربي القادم من سلطنة عُمان وموريتانيا وأدب اللجوء السوري وآخر نتاجاته وروايات الجوائز العربية في القاهرة والشارقة والخرطوم، دائماً أحرص على الدم الجديد في روح الرواية العربية.
= إلى أى إنتماء سيكولوجي كمبدع تنتمي؟
يجذبني الفكر الإنساني بالعموم وخاصة الرواية والمسرح العالمي ولكن للأسف هناك نقص شديد في عالم الترجمة فحركة الترجمة العربية توقفت عند الأدب الكلاسيكي العالمي، وفي مكتبتي عدد كبير من الأعمال الحديثة وللأسف أشعر بأني أكدسها دون قراءتها لانشغالي بالتأليف، ومشكلة التكديس ظاهرة إنسانية عامة، أحياناً أفضل قراءة الأدب الكثيف الأحداث والمعلومات مثل روايات دان براون المذهلة وأحيانا أحرص على قراءة روايات العاطفة الرومانسية الحالمة وأحياناً تأسرني الواقعية السحرية، وأحايين أعيش روايات المغامرة والسفر والهويات القاتلة. عدا الأعمال التاريخية مثل أعمال رضوى عاشور في الطنطورية والثلاثية الأندلسية. وأحياناً يبهرني الجو النفسي الساخر مثل أعمال إميل حبيبي في سعيد أبي النحس المتشائل.
= لو عاد بك الزمن للخلف، هل كنت تختار نفس المسار الإبداعي ؟
مساري الإبداعي بالتأكيد سيختلف لو عدت للوراء لأن وعيي وتجربتي اختلفت بكل تأكيد، وكما ذكرت ما أكتبه بالأمس ربما لن أتقبله اليوم، فكل مرحلة فيها رحلة خاصة وعالم مختلف.
= إصدارك الأول، كيف إستقبل من القراء ومن النقاد، ومن الوسط الثقافي بوجه عام؟
كان إصداري الأول جماعي وباللغة الإسبانية، ولكن توقيعي لعمل كامل هو عُرمة قمح وكان الموضوع القضايا العربية ولكن توقيعي الأجمل هو الحب والتكوين وأوبوا وكان جمهوري الرئيسي طلبتي عام 2014 بدمشق وشعرت بأنني أصنع حياة في زمن الخراب السوري، وكم شعرت بالسعادة وأنا أوقع لزملائي المعلمين والطلبة وقد لمعت أعينهم بالحياة وحتى إحدى طالباتي حرصت على حمل دواويني الثلاثة وخاضت معها البحر حتى وصلت ألمانيا وكأن ما كتبت كانت تميمة خير لها ووصول آمن.
أما من ناحية النقاد فهناك من أثنى وهناك من هاجم وفي الحالتين يعود التقييم للمتلقي، وقد شاركت بمهرجان الشباب الشعري بدمشق وهناك من عارض كتاباتي وانتقدها بشدة بل ولم يعتبرها شعر وهناك من وجدها فكر وهناك من تغنى بها.
= ما القضايا الفكرية التى يجب الإهتمام بها أكثر من وجهه نظرك؟
الفكر الإنساني بالعموم، فنحن داخل عالم متغير ويحمل في طياته الكثير من الصراعات، ربما موضوع الهوية هو الأكثر إثارة للفكر ولكني أصبحت أؤمن بالفكر الإنساني بمعنى الإنسانية أكثر.
= الجوائز الأدبية، هل لها معايير منطقية، وتأخذ طريقها دوما لمن يستحقها، أم أن هناك نوع من المحاباة والمجاملات بها ؟
في بعض الأحيان أجدها منطقية، وفي أحايين أخرى أجدها قائمة على الحسابات السياسية لتلك الدولة ولأنك في مكان معين تختلف معه تلك الدولة فلن تحصد جائزة، ومن ناحية المحاباة والمجاملات ففيها الكثير من ذلك للأسف، فعندما تبرز قضية ما بزمن ما أو هوية ما تظهر المحاباة على مبدأ “الجمهور عايز كده” وبالتالي نخسر الكثير من الأصوات الإبداعية التي يتم استبعادها أو تشجيعها على المزيد.
= الشللية الإبداعية، مدى تأثيرها على الحركة الثقافية؟
أنا أطلق عليهم غلمان الإبداع فهم يحاولون على الدوام عرقلة مسيرة المبدعين وهو أمر طبيعي لدى البشر، ولكن في النهاية لا يمكنك تغطية الشمس بغربال، فالمبدع سيتفوق على نفسه وينهض المرة تلو الأخرى حتى يصل لأهدافه وهي أهداف إنسانية سامية بالضرورة.
= السياسة مؤثرة بشكل واضح على الحركة الأدبية، حدثنا عن تجربتك الخاصة وتأثرها سياسيا؟
السياسة عقوبة بحد ذاتها، خاصة مع أنظمة لازالت تعيش عقلية القرن التاسع عشر، ومعتادة على القمع وكم الأفواه، وفي الحقيقة خرجت من سوريا لأفتح فمي ولأقول كلمتي، ومع ذلك ستجد من يعمل على إخفات صوتك وتهديدك أينما كنت، فعندما وقعت كتبي في معرض اسطنبول للكتاب حرص أحد محطات التلفزيون عدم تصويري وتغطية توقيعاتي فقط لخلاف رأي بيني وبين أحد موظفيه وتحويله لموقف شخصي فعرفت معنى الشللية بشكل محسوس، ولأن ذاك الإعلام يتبع لممول معين فقد تم كتم صوتي في كافة تلك المؤسسات التابعة له، إلى أن تم اعتقالي في تركيا بحجة تافهة لأن رأيي لا يعجب البعض فقط.
= إذا آتتك الفرصة، وتبوأت موقع المسئولية الثقافية، ماذا تخطط، وآليات تنفيذ خططك؟
سأحرص على ضخ ما يمكنني من الأعمال المترجمة وإحياء الأدب العربي جنوب الصحراء والساحل وماوراء البحار وكما نجح المعلم السوري والمصري في تعريب المغرب العربي بعد سنوات الاستعمار الطويلة فسأحرص على دفع اللغة العربية للأمام أكثر، وكذلك ترجمة الأدب الفرنكفوني وآداب العالم للغة العربية حتى الشعوب الأصلية في الأمريكتين وأستراليا ونيوزيلندا.
= ما تحليلك للمشهد الثقافي، إقليميا، عربيا، دوليا؟
العرب اليوم أكثر تواصلاً بفضل وسائل التواصل الإجتماعي والثقافات أقرب لبعضها البعض وأنا متفائل بهذا المشهد المهول من كم المعلومات وكم التواصل البشري، وهو ما سيعكس غنى ثقافي عظيم يصب في تطوير الفكر العالمي فنحن نعيش مرحلة ما بعد الدول الوطنية وبالفعل العالم قرية صغيرة وتأثير الفراشة يتحول لتسونامي وزلازل فكرية إيجاباً وسلباً في عالم واحد.
= إذا أردنا أن نضع عنوانا مختصرا عن(محمد زعل السلوم)، ماذا تقول؟
هذا السؤال الأكثر إحراجاً لي فلا أعرف كيف أعرف عن نفسي فأنا معلم سابق للغة الفرنسية وشاعر وكاتب روائي وقصصي ومترجم وصحفي وناقد، ربما أكتفي بكاتب من كل هذا فجميعها تصب في مصلحة الكتابة سواء كانت أدبية إبداعية أو كانت سياسية بأنواعها من سياسة مقارنة وسوسيوبوليتيك وعلم سياسة وتاريخ سياسي وغيرها وقد ساعدتني لغتي الرئيسية الثانية الفرنسية وعالم الترجمة على التبحر كثيراً في الفكر الغربي وتاريخه وطرقه ومنهجيته وقمت بالكثير من الإسقاطات على عالمنا العربي عموماً والسوري خصوصاً فالمشهد السوري كبير جداً وواسع والدراسات حوله ليست كافية وغير شاملة كافة جوانب الحياة فيها وبعضها غامض ولم يستوفي حقه، ربما أمامي الكثير لأتعلمه أمام بحر المصادر بل محيطاته وبذات الوقت علي أن أرى العالم بعيوني وفكري وأترجمه للناس كحقائق موضوعية، وأحياناً أكتب بموضوعية وعقلية العالم البارد وأحايين أكتب من وجداني وروحي وهنا الفرق، لذلك أجد في نفسي عدة شخصيات أو شخصيات مركبة ربما لأنني تعلمت عدة لغات وثقافات فعندما أتكلم الفرنسية أفكر بالعقلية الفرنسية وعندما أتكلم الإيطالية أو الاسبانية وسابقاً اليابانية أتحول لتلك الشخصيات وهو ما أغنى تجاربي وحتى قصيدتي النثرية يراها البعض غير مفهومة على وضوحها وبساطتها لكنني أتكلم من خلالها بعدة شخصيات وبالتالي فسيختلف الأمر على المتلقي وسيرى ما أكتب بطريقته لا بطريقتي.
= ما أعمالك التى تعكف عليها حاليا ؟
في الحقيقة أقوم بعدد من الأعمال بين العمل على إنهاء عدد من كتب المقالات السياسية مثل كتاب “إيران والعالم العربي” والذي لا يزال مفتوحاً بالنسبة لي مع استمرار التطورات السياسية وكذلك كتاب “الحروب السورية” الذي لا ينتهي مع إضافتي ونشري للمزيد من المقالات وكتب التوثيق وكتب الترجمة الشعرية لعدد من الشعوب الأصلية عبر العالم والآداب الفرنكفونية مثل خمريات الشعر الفرنسي وقصائد الربيع والصيف والخريف والشتاء الفرنسية، أما من ناحية المقالات فأعكف على توثيق شعراء السجون العرب وقصائد الشاعر التركي الشهير ناظم حكمت في سجنه، ومن ناحية أعمالي الإبداعية فأعكف على توثيق مجموعاتي القصصية ونشرها إلكترونياً وكذلك بقية مجموعاتي الشعرية التي فقدت بعضها بدمشق وبحمد الله تمكنت من العثور على المخطوطات وتصويرها لي وإرسالها وبعضها يعود لربع قرن. وقد انتهيت مؤخراً من كتاب “الغزو الروسي لأوكرانيا”.
= هل وصلت رسائلك التى هدفت إليها من كتاباتك؟
أعتقد أن رسالتي وصلت عندما تم اعتقالي في تركيا وتوقيفي 24 يوماً بحجة ورقة الكملك أي هوية الحماية المؤقتة وقد وجدت بعد خروجي من المعتقل أن ردود الفعل كانت كبيرة في أوساط الإعلام السوري والتركي والدولي وقد عنى لي هذا الكثير بأن صوتي عالي غير خافت وأن لي صدى يتردد في قلوب الكثيرين، وقبل ذلك في سوريا وعندما كنت معلماً واقتادني أزلام النظام للسجن لحوالي الأسبوعين عرفت قيمتي بين طلبتي ومدرستي ومؤسستي التعليمية وأن رسالتي كمعلم ذات قيمة بين أطفالي.
= أخيرا، اذا كان هناك ترهل بالجسد الثقافي، لمن توجه أصابع الإتهام؟
قلة النقاد الحقيقيين ومحسوبيات الصحف والمجلات العربية والشللية القائمة على المنفعية والاصطفافات والانقسامات القائمة داخل الوطن العربي جميعها عوامل ساهمت في إضعاف الأقلام النقدية الرفيعة والحاذقة والمتفرغة بمعنى أننا نعيش في هذا الزمن ما نسميه بعاميتنا الشامية “سلق بيض” للأسف، وحتى بوجود تلك الأقلام الجيدة على قلتها فهي تراعي الممول وتسعى لاسترضائه بغرض الاستمرار بالعمل وعدم قطع “العيش” والرزق والتخوف من إغضاب ذوي السلطة والمال وهو ما سبب بحالة “الأدب المخصي” في عالمنا العربي وقد نشرت ذات مرة مقالة حول الأدب المخصي في سوريا والذي يخرج معقماً خالياً من الشوائب وتابوهات الرقابة وعلى مبدأ “طهور إن شاء الله” بمعنى خالي الدسم خشية تلك المقصات التي لا ترحم.
سؤال كان يجب أن يسأل..
= أين انت من التكريمات والتقدير؟
عندما كنت معلماً للغة الفرنسية تم تكريمي عدة مرات في الأونروا وهي منظمة اللاجئين الفلسطينيين وفي كتاباتي النثرية حصلت على جائزة كاوازاكي أشعار من أجل السلام عام 2019
= هل تعرضت لبعض القمع الفكري؟
حالياً أعيش بتركيا تحت ما يمكنني تسميته الإقامة الجبرية فلم يعد بإمكاني التنقل في إسطنبول كما في السابق والتهمة الأولى أنني سوري مع تصاعد حملات الترحيل للسوريين اللاجئين لهذا البلد والثانية والأساسية لانتقاداتي لسياسات الترحيل تلك وفي سوريا منع اتحاد الكتاب العرب بدمشق ثلاث دواوين نثر لي هي ألفية بغداد وألفية الجنون والنبش والهذيان
= الرقابة، حجر عثرة بطريق الكاتب، هل تعرضت كتاباتك لهذه الرقابة، وأسبابها؟
عندما طبعت في تركيا وحصلت على تراخيص الطباعة لوزارة الثقافة التركية لم يتم ممارسة أي رقابة على كتاباتي وشاركت بتلك الكتب بمعرضي اسطنبول للكتاب العربي عام 2021 ومعرض غازي عينتاب للكتاب العربي عام 2022، ولكن شهر العسل هذا لم يدم طويلاً خصوصاً في ديواني النثري أيتام محمد الذي أنتقد فيه كذبة “المهاجرين والأنصار” وإحباطي من بلد اللجوء الذي أعيش فيه في رواية “مشرد البوسفور”
= كيف ترى نهاية رحلة الإبداع لدى الكاتب؟
لا أعتقد أن رحلة الإبداع لدى الكاتب يمكنها أن تتوقف حتى آخر أنفاسه لكن الصدمات يمكنها أن توقفه مثل الروائي البلجيكي العظيم جورج سيمنون الذي نشر حوالي 600 رواية باسمه الأصلي وبعدة أسماء مستعارة بسبب انتحار ابنته وتوقف عن الكتابة عام 1976 واعتزل الكتابة حتى وفاته بعدها بسنوات طويلة، وبذلك خسرت البشرية قلم رفيع لايجب أن يتوقف حتى آخر لحظات حياته. ربما بالنسبة لي سأتوقف إذا حققت خطتي وهي 350 كتاب تشمل كافة مشاريعي في التأليف من كتابة إبداعية وترجمة وجمع وتوثيق وكتابات سياسية وتغطية مشروعي حول الأدب العربي خارج حدود الوطن العربي والدراسات النقدية والمسرحية والسينمائية والدراما.
= هل الكاتب يحتاج أحيانا لاستراحة محارب؟
بكل تأكيد هناك لحظات يتوقف فيها الكاتب عن الكتابة ربما تمتد لأشهر وربما لسنوات فالحالة الإبداعية تحتاج للاسترخاء أحياناً وللمزيد من المخزون الفكري والثقافي والبصري والتجربة الحية التي يمكن للكاتب أن يعيشها ويجربها، هذه اللحظات لابد منها والكاتب بطبيعته حالة مزاجية تتطلب الكثير من الرغبة للكتابة وأحياناً الصدمات وربما حتى مستوى عالي من الراحة والشروط والطقوس التي ربما تتوفر في لحظة ما لكنها تتسرب من بين أيدينا بلحظات أخرى.
=هل للغربة تأثيرات على كتاباتك؟وهل من الضرورى ان يخوض الكاتب تجربة الغربة؟
الغربة صنعت لدي رواية “مشرد البوسفور” وهي اللحظة الفارقة لما بعد الصدمة لدينا خاصة نحن اللاجئين السوريين، ربما كتبت بحث كامل في أدب اللجوء وهو أدب الاغتراب بامتياز، فخروجنا من القن السوري وانفتاحنا على الثقافات الأخرى ولو مجبرين، أغنى تجربتنا وغير نظرتنا للحياة ولذواتنا ولأحلامنا وطموحاتنا بل وحتى غير عاداتنا، ففي بلادك تتكيء على أخيك وعائلتك وجيرانك الذين عشت معهم لعقود، ثم لتجد نفسك عارياً تماماً ولتبدأ من النقطة صفر فتبني علاقات جديدة وتتعرف على بشر جدد بل وتتغير قناعاتك ومجالك البصري وذاكرتك وطبيعتك إما لتتعايش أو لتتقبل وتندمج مع محيطك الغريب عليك بل وحتى تتعلم لغة جديدة ليصبح لديك لسان جديد ونوافذ جديدة ترى منها العالم بشكل مختلف.
بالنسبة للقسم الثاني من السؤال أعتقد أن الغربة ضرورة حقيقية للكاتب، ربما بالنسبة لي عشت نوع من الغرب داخل وطني سوريا لأني نازح من الجولان بالطبع لست أنا من نزح من الجولان فقد ولدت وعشت بدمشق ولكن أهلي وعائلتي نزحوا من أرضهم وبالتالي فولدت وأنا علي دمغة نازح بمعنى مقتلع من أرضه وكذلك عندما لجأت لخارج وطني وأنا المعتاد الغربة أصلاً ولا ننسى أنه بالأنظمة الشمولية ستعيش الشعوب غربة جبرية في أوطانها ولأتذوق المزيد من جرعات الغربة بعدها، الغربة إثراء هائل للكاتب وبلا منازع وتعميق للتجربة الإنسانية فأنت تتحول من وطنيتك الضيقة لتصل للشخصية الكوزموبوليتانية أي الكونية ولا ننسى أن المجتمع السوري بالأصل متنوع ومختلف وفيه نزاعات في الهويات والانتماءات والطوائف والإثنيات والمناطقية بين ريف ومدينة وشمال وجنوب ونازح لا منتمي لا لهؤلاء ولا لهؤلاء وهجرة ريف لمدينة وكل التغيرات التي يمكنك معايشتها والتفاعل معها فكيف لو غيرت وطنك بأكمله واستبدلته بوطن جديد مختلف عنك، كل ذلك ثراء فاحش في التجربة الإبداعية وأعتقد أنها نقطة إيجابية في نفق الحياة العربية البائسة.
قصيدة من ديوان كومامون كوماموتو “ساموراي السعادة”
(الثور والثمرة)
بين العقل المُثمرِ والعقل العَقيم
سَطعَ الغبار وظَهرْ
يَثِب الغضبانُ الأهوج وقد حفر ماء المزراب
وقد تفرّقت وجفَلت جفوننا العريضة
وأرمَدت من زُحام الجنون
داجَ الليلُ البهيمُ في مجمر الحافر
لتنهال قبعة الحديد تحثّ خطاها على الأرض
لنبذر الحنطة في الحواصل
يضرب بتلك العصا ظباء الحي ويلكزها
وعنترة أمام الثور لا عنترة
هاج وماج مثل القسورة
وهو الفأر تدرّع بجرذان الحي المُعمِرة
الثمرة بقيت تعلو الشجرة
واستحالت غصناً شامخاً على محبرة
الثور ما عاد لشموخه بل بات مأجوراً لمجرفة كسرى
وقرون قيصرة
الثمرة باتت حمامة ثم نسراً مُحلقاً
يُشرف على العالمين بعينه
فتختبئ الناس من عوراتها
وقد انكشف مطموس العين خفاش الأرواح
في المأثرة
وحدائد الدجال لم تعد صلبةً
ونصلُ الأبلج يفقأ محجر العين
وقد وضع الله عنا إصرنا
فمضى الثور في غلوائه
ومضينا كلمعان الأشَرْ
قصيدة مرّت عصور عن ديوان فيكتوريا الأندلسية
مرّت عصور
مرّت عصور
وهمسُنا كأصداءِ عِنَب
وحفيف أشجارنا زيتون
مرّت عصور
والحياة دون رُكَب؟!
لتُحَلّقَ في آفاقها الطيور
مرّت عصور
والحبيبةُ في بلادي
تجوبُها كما اليَنبوعُ الطّروب
مرّت عصور
والقوافي تشرئبُّ لها
والحبو ملِكِ التطريز
مرّت عصور
والطريق في عمق القرار
والحقل يملؤه الفَراش
مرّت عصور
والصيف يتسلّل كلّ مساء
وحلقات السّمر والورود
مرّت عصور
وترنيمة القمر وراء السياج
تتسلّل غلائل أشجاننا
مرّت عصور
والصنوبر يُغمضُ عينيه
وأغنيات الربيع والجّوى
مرّت عصور
وعطر الغدير مع طلوع الشمس
والجميلة تتحسّسُ شَعرها
مرّت عصور
وحديثها الشيّق
يسري بالعروق
مرّت عصور
وفي غفلة وجنتيها الشاديتين
وجسدٍ غضّ يتموّجُ كالسنين
مرّت عصور
وشَجرةُ السنديان
تعزف وتتلمّس بقيثارتها
مرّت عصور
وحلة الكواكب
والحبال بينها
مرّت عصور
لتنهّدَ من أعماق البحار
وتجوب آفاق الرؤوس
مرّت عصور
وابتسامتها ناعمة دافئة
واقعة في كلّ فؤاد
مرّت عصور
جالسةً أمامَ مرآتها
لتُمارسَ طقسها الجميل
مرّت عصور
لتَمضي لحظات العُمر المسحورة
ولتبقى ذكريات الحياة
مرّت عصور
والبقعة على بوابة القصر
دون أن تُوصَدَ أحلامها
مرّت عصور
وخرافة النقوش مُغرقة
ومصراعاها والمفتاح
مرّت عصور
والجاذبية المتصاعدة
والنذير يقتحمُ سُجّادنا العتيق
Discussion about this post