الحمد لله ، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
وبعد ،،،،
هذا المقال الذي أكتبه اليوم أتحدث فيه عن موضوع أعتبره في غاية الأهمية وخاصة هذا الوقت ، لأنه يعالج قضية اختيار الأمور وتقديرها في وقت اختلت فيه موازين الاختيار وترتيبها ، وتقديم بعضها على بعض ، وأيها يجب أن يقدم ، وأيها ينبغي أن يؤخر ، وأيها ترتيبه الأول ، وأيها ترتيبه الأخير ، لا سيما وقد انتشر بين المسلمين خلل في ميزان الأولويات في هذا الزمان .
إنه فقه الأولويات :
الذي هو وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقيم والأعمال، ثم يقدَّم الأولى فالأولى بناءً على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها نور الوحي وسلامة العقل، فلا يقدم غير المهمِّ على المهم، ولا المهم على الأهم، ولا المرجوح على الراجح، بل يقدَّم ما حقه التقديم ويؤخر ما حقه التأخير، ولا يكبر الصغير ولا يصغر الكبير، بل يوضع كل شيء في موضعه بالقسطاس المستقيم.
فمثلا قد تجد عند بعض الشباب الاهتمام برياضة الأبدان مقدما على الاهتمام برياضة العقول ، وكأن معنى رعاية الشباب فقط هي رعاية الجانب الجسماني فيهم لا غير ، فهل الإنسان بجسمه أو بعقله ونفسه ؟
وقديما قال الشاعر :
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسران ؟
أقبل على النفس ، واستكمل فضائلها فأنت بالنفس – لا بالجسم – إنسان .
فممشكلة الإنسان الأساسية ليست في إيجاد الحلول وطرق التعامل مع هذه القضايا والمسائل، لكن في ترتيب الأولويات وتحديد الوقت الذي سيمنحه لها، فالوقت محدد والقضايا والمسائل لانهاية لها؛ لذلك صار حتمًا عليه أن يحدد أولوياته ليضع كل موضوع في حجمه الحقيقي، فينظم وقته وفق أولوياته، ووفق قيمة كل الموضوع، وهل هو قضية أم مسألة.
والشريعة الإسلامية إنما جاءت برعاية مصالح البشر المادية والمعنوية.. الفردية والجماعية، والغوص في مقاصد الشريعة يخرجك من جمود الوقوف على حرفية النصوص إلى معرفة أسرارها وعللها وربط بعضها ببعض، كما أن علم المقاصد يصل بك لحب الله والتعلق باسمائه الحسنى عندما ترى عظمة المقاصد من الأوامر و النواهي.
فقه الأولويات من خلال عبادة المؤمن وعقيدته الصحيحة :
ففي الدين هناك أركان وفرائض ونوافل، ولابد أن نراعي الأوزان النسبية لموضوعات الدين، والإيمان ليس درجة واحدة، بل هو أحجام وأوزان.. “الإيمان بضع وستون شعبة، أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”.. لماذا الحياء وليس باقي الشعب، لأن الحياء هو الذي يأتي بالأمور الأخرى والأخلاق الأخرى فالحيي لايكذب ولايرتكب الفاحشة.. حتى الذنوب ليست درجة واحدة، بل فيها كبائر وصغائر.
أمثلة من السنة النبوية تدلل علي فقه الأولويات :
عن طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجدٍ، ثائرُ الرأس، نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول – لكن عنده عقلية فارقة – حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرُهن؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلا أن تطوَّع، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفلح إن صدق. وفي رواية أخرى: “أفلح، وأبيه، إن صدق. أو: دخل الجنة وأبيه إن صدق”.
فالحديث حدد الأوزان النسبية للموضوعات في الدين، ووضع على رأسها أركان الإسلام، وهذا الرجل كان لديه عقلية فارقة، فقال: والله لا يزيد عنها ولا أنقص، وكان رد النبي: “أفلح إن صدق”هذا الرجل كان لديه عقلية فارقة، فقال: والله لا يزيد عنها ولا أنقص، وكان رد النبي: “أفلح إن صدق”، وبناءً على ذلك فالفرائض والأركان هي بلا شك قضايا وما سواها فهو مسائل، فلا تأخذ مسألة وتحولها إلى قضية مثل إطلاق اللحية، أو الأخطاء في اداء العبادات والخلافات بين المذاهب الفقهية، والعكس لاتحول قضية إلى مسألة، مثل العمل والإنتاج والتعليم والأخلاق.
ويبدو أن العقلية الفارقة التي تحدد أولويات الدين، فتضع القضايا في حجمها والمسائل في حجمها هي السبب في درجات الناس عند الله يوم القيامة “هم درجات عن الله”، لأن الاختبار الكبير في الحياة هو اختبار أولويات في المقام الأول، فالذنوب والمعاصي كل إنسان يدرك بفطرته أنها حرام، لكن أعظم ما خلق الله هو العقل، لذلك كان أكبر اختبار للعقل هو الاختيار بين الأولويات.
في حديث معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: “ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه”؟، قلت: بلى يا رسول الله، قال: “رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد”.. انظر الى ترتيب العقل لدى النبي.. رأس الأمر الإسلام، وذورة سنامه الجهاد، وهو الجهاد بالمعنى الصحيح وليس القتال، ولكن بالمعنى الشامل بذل الجهد والعمل في الحياة.
اسأل الله العلى العظيم أن يبارك فيكم وفي مصرنا الغالية علينا جميعا .
Discussion about this post