بلا حراك
وقف أمام البوابة الحجرية الضخمة، يتفرس فيها.
أدار مسجل الهاتف، أسهب المعمرين، في سرد حكاياهم المطعمة بالترهات.
“تراءى له ‘الظاهر بيبرس’ يلجها صبياً يافعاً، مملوكاً، ليصبح سلطاناً.
يالها من بوابة سحرية.
………………………..
حكواتية يتقاطرون، يمزجون الغرابة بالخيال. فقراء يزحمون التكايا والأسبلة.
عمال أسرى، يرسفون في أقفاص من حديد. ‘الصقلي’ يرتد مظفراً، يتوج بالإمارة، فوق الجماجم يعتلي عرشه.
……………..
مازال يجول حولها، يلتقط الصور، ويدون الخواطر، يدقق في ملامح الوجوه.
لماذا مازلنا هنا؟.
استرعى وجوده المريب -بقامته المديدة- توجس ذو الوجه العبوسي، والشملة القاتمة، فأخذ يرصد حركاته على مبعدة آمنة.
ولما فاض الكيل، وتحسّب خطراً ما.
هاجمه العبوسي، بلهجة خشنة مدربة:
– هويتك؟.
– هه!!.
– أكاميرا الهاتف مرخصة؟.
– ألست حر!.
– تأدب ياولد.
لكمه، فتطايرت نظارته الطبية، وانتثر زجاجها.
……………….
“أين أنت يانابليون.. لما الفرنجة دوماً يسحقون الوالي؟، لما ينحتون أسماء ضباطهم أعلى أفريز البوابة العتيقة.. ويتركونا للعشب؟.
نؤرخ سيرنا فوق المسلات وشواهد القبور.
لما أذوب عشقاً في مدينة تخنقني كالطوق، وتعتصرني كالرحى؟.
أنا الفلاح ابن الفلاح.. لازلت تائهاً في مدينة لاتشبهني، تبغض ملامحي..”.
…..………….
دسوه بعنف في العربة، لكزوه في ظهره. قبع في العتمة، تترامى إليه هسهسات مكتومة. مد البصر نحو كوة ضيقة بقضبان، تنفرج على سماء بنفسجية.. تناثرت فيها نجوم كنقط حراسة..
– أنا طالب بكلية…
صفعني.. “فابتسم ‘الصقلي’ وأشعل غليونه، فيما أمر الأمير المارق، بوضع خطة عاجلة لتحرير الرهائن.
آه من قلب مزقته الأشواق.. فاعدموه بالخازوق على مرأى من العوام”.
حطموا هاتفه، “فتهاوت مدائن الأندلس، وتولى المخبرون قيادة البلاد.
غرناطة.. تنزع رداء العفة، وتتطلع للعالم الجديد، تدنسها آهات السكارى، ومواخير البغاء”.
– لست أهذي..
ساقوه لزنزانة المخفر، حفر على جدارها المملح، قلباً يحوي اسمها!.
استحضر فاها العذب.
عيناها محيط بلا ذاكرة، يجلب الحياة للممتطين أمواجه.
– اشترط أبوك إجادتي النفخ في الكير بلاشرر، حل الطلاسم والألغاز…
– يامفلس.
وتساءلتُ:
– من هو ياأبي؟.
– من عجز عن ادراك حاضره، فباع ماضيه.
…………….
أخبرها بأن لوحاته ستُباع بأغلى الأثمان، بعد عشرات السنين.
تبخرت منه في الحال، كشذا في حلقة ذكر.. فتطوح كراقص سيرك سقط ببطء من علياء، يتأمل الناس ويتأملوه.
……………
مهاب حسين مصطفى/ مصر
Discussion about this post