في ختام الدورة الثامنة عشرة
“ملتقى السرد” يناقش تحولات البناء في الرواية والمتخيل السردي بالتراث..
القاهرة
اسمهان الفالح
أسدل ملتقى الشارقة للسرد الستارة، الثلاثاء، على أعمال الدورة الثامنة عشرة التي استضافتها جمهورية مصر العربية على مدى يومين، تحت عنوان “المتخيل السردي في الرواية العربية المعاصرة”، وشهدت مشاركة أكثر من 60 مبدعاً من روائيين وقاصّين وأكاديميين ونقّاد مصريين.
ويأتي الملتقى تحت رعاية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، ويركز على المجال النقدي في السرد بكل أنواعه الإبداعية.
أقيم حفل ختام الدورة الثامنة عشرة من الملتقى في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة بحضور سعادة عبد الله العويس رئيس دائرة الثقافة في الشارقة، ود. هشام عزمي الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، والاستاذ محمد إبراهيم القصير مدير إدارة الشرون الثقافية في دائرة الثقافة، وعدد كبير من المهتمين في المجال السردي.
“المحور الثالث”
شهد ثاني أيام ملتقى الشارقة للسرد المحور الثالث المعنون بـ”تحولات البناء في الرواية المعاصرة”، وشارك فيه كلا من: د. حسين حمودة، ود. جمال عبد الناصر، ود. محمد هندي، في جلسة ترأسها الإعلامي خليل الجيزاوي.
وأشار د. حسين حمودة إلى أن “تحولات البناء في الرواية المعاصرة” عنوان رحب، يشير إلى أبعاد كثيرة تخص حدود مجاله، والمساحات التي يمكن أن تتحرك فيها مفرداته (التحولات ـ البناء ـ الرواية ـ المعاصرة)، وما يتصل بهذه المفردات من ظواهر وتمثيلات وقضايا وتساؤلات متنوعة.
وقال حمودة إن “التحول” يمثل سمة عامة، ماثلة في مسيرة الرواية بأكملها، في كل المجتمعات التي عرفت فن الرواية، مؤكدا أن هذا التحول يعدّ، بحدّ ذاته، خصيصة تكوينية من خصائص الشكل الروائي نفسه، ظلت سمة ملازمة له عبر تاريخه الطويل. وقد تبلورت هذه السمة بوضوح في التصورات النقدية رحبة الأفق، التي رأت أن الرواية فن نهض دائما على استيعاب وامتصاص عناصر تعبيرية متنوعة، تنتمي إلى أنواع وأجناس شتى، أدبية وغير أدبية.
وقدّم د. جمال عبد الناصر قراءة تطبيقية في روايتي “المشّاءة” لسمر يزبك و”نهارات لندنية” لجمعة بوكليب، قائلا إن “يزبك استطاعت، ببناء رواية “المشاءة” على ذلك النحو السردي، لمجموعة لا تكتمل من الحكايات، تتناسل في رحم المشي المتواصل، أن تجعل السرد (البناء) وخلفيته (الواقع) يتبادلان دوريهما، في سبق فني تحولي، لا سيّما السرد الذي صار وسيلة وغاية في نفس الوقت، راحت تخاطب من خلالهما قراء مفترضين، عبر ساردة لا تتوقف عن المشي، حتى انها تمشي بخيالها، في رحلة سرد قوامها التخييل الإبداعي، لا الواقع التسجيلي، فتذوب المشاهد العبثية التي تصورها في قالب روائي تخييلي”.
وتناولت ورقة د. محمد هندي تحولات الرؤية السردية في الروايةالنسائيّة الافتراضيّة، مشيرا إلى أن المرأة تمكّنت بفضل ما أتاحته شبكة الإنترنت من فضاءات تفاعلية؛ من الخروج من دائرة الفرديّة، إلى المعايشة الجماعية عبر الانفتاح على الآخر، وهي بهذا الانفتاح التفاعلي تطمح (كما تبيّن أنشطتها الثقافية في هذه الفضاءات) إلى ترْك بصمة أنثوية ذات صبغة حضاريّة تهدفُ إلى رصد التحوّل التاريخي الذي تشهدُهُ البشريّةُ عبر أطوارها المتعاقبة، موضحاً أن في ذلك تأكيد منها على أنّ لها صوتًا لا يقلُّ شأنًا في حضوره عن أصوات الرجال الذين اشتبكوا مع الواقع إنتاجًا وتلقيًّا، وفي هذا أيضًا إشارة منها موجّهة إلى الآخر تُفيد بمرونة عقلها، وقدرته على التكيُّف والانسجام مع المستجدّات التي تعاصرُها.
“المحور الرابع”
جاء المحور الرابع تحت عنوان “المتخيل السردي والتراث”، وشارك فيه د. إبراهيم سند، ود. أماني الجندي، وسيد الوكيل، وترأس الجلسة محمد عطية.
تناولت ورقة د. الجندي توظيف المتخيل السردي التراثي في رواية الزيني بركات للروائي جمال الغيطاني، قائلة:” استطاع الغيطانى أن يعيد تشكيل المعطى التاريخى وفق تصور يمزج الأساليب التراثية لخلق طرائق سرد محدثة تروم تحقيق رواية واقعية تعيد الاعتبار من جديد للنبالة اللسانية من خلال تركيب الجمل النصية السردية، والتعامل مع المعجم حيث نلاحظ إحياء حادًا لمفردات المعجم العتيق، وإعادة الاعتبار للصياغة اللسانية التراثية، والأساليب البلاغية المعتمدة فى ذلك من سجع وترادف موازنة وإطناب» وبالتالى فهو يمزج بين الشكل التقليدى والشكل الجديد ليعطى للرواية بعدها المعاصر، موظفا لغة سردية تراثية وصوفية فالاسترفاد من التراث منطلقه الوعى العميق بالدور الفعال، الذى يلعبه المتن التراثى فى إخصاب النص الروائى المعاصر”.
وتناولت ورقة د. السيد وكيل موضوع توظيف التراث في السرد المعاصر (ألف ليلة وليلة نموذجا )، قائلاً إن الحكمة المستخلصة من هذه الحكاية التاريخية، هي أن: الخيال القوي بذاته يولّد حدثًاً. فالحدث مهما كان عاديًا ومألوفًا وعابراً، فإن قوة الخيال تعاظم من وجودة، فيتجسد حقيقة. موضحاً “غير أن هذا التحول يتم عبر سردية، تنسج خيوطها من التفاعل الذهني بين الوعي واللاوعي، أو بين الواقعي والمتخيل. وبالنظرة الأولي إلى حكاية الملك الإيطالي، يبدو لنا أنها حالة من الذهان المرضي، لكن (باشلار ) يرى أن مثل هذه الصور الشعرية التي تداهمنا بإلحاح في أحلام يقظتنا، يمكن أن تكون بداية لعالم من الأخيلة”.
تناولت ورقة د. إبراهيم سند اللغة التراثية والسرد الروائي المعاصر.. رواية (بهجة الحضور) نموذجًا، وطرحت هذه الورقة البحثية إشكالية: مدى توافر اللغة التراثية في السرد الروائي المعاصر، وحاولت الكشف عن مدى تأثر الكاتب محمد عطية بالمعطيات التراثية في روايته (بهجة الحضور)، ومظاهر توظيفه التراث [بكافة أشكاله وأنواعه]، وبيان أثر الخطاب الصوفي في لغة تعبيره السردي.
وأشار سند إلى الرواية قد زخرت بحقول تراثية متنوعة، حيث اعتمد الكاتب على لغة الأمثال الشعبية والحكايات ذات الأسلوب القصصي، وتوظيف التراث الشعبي؛ فاعتمدت الرواية على اللغة الصوفية بشكل واضح.
وتوصلت الدراسة إلى أن رواية (بهجة الحضور) تفاعلت مع النص التراثي بشكل كبير؛ مما أَدَّىإلى إثراء البنية اللغوية للنص الروائي بالألفاظ والتراكيب والمعاني الضاربة بجذورها في أعماق التراث اللغوي؛ ليضفي الكاتب على لغة السرد بعدًا جماليًّا يشعر به قارئ الرواية.
“شهادات”
واختتمت أعمال الملتقى مع جلسة شهادات ترأستها منى الشيمي، وشارك فيها: سعيد سالم، وعبير درويش، وآمال الديب، وعمر أبو القاسم.
وقرأ المبدعون الأربعة مختصرات حول تجاربهم الإبداعية، وكشفت الشهادات عن شغف البدايات في الكتابة وما تبعها من تطلعات للمضي قدماً في مشروع أدبي إبداعي عرف النور بعد جهد كبير.
Discussion about this post