وتحقّق الحلم،،،،، غادة فطوم
بقلم غادة فطوم.
لم يكن ذلك الصوت الذي سُجن على شريط كاسيت إلا نبض حياة، فكيف لو كان حاضراً بيننا؟.
في آلة التسجيل القديمة وعلى شريط الكاسيت المستطيل كان صوته وشعره رهن تلك الآلة، لم أعرفه إلّا من خلال صوته كنت حينها أرسم شخصيته ووقوفه على المنابر في قاعة المركز الثقافيّ السوفييتي و على مدرّج جامعة دمشق وها هو اليوم يكمل أمسية منتظرة امتدّت عبر جيل وأجيال.
أيمن أبو شعر حاضراً بيننا في التاسع والعشرين من شهر أيلول وفي المركز الثقافي العربي بأبي رمانة، كانت قصائده تنطلق في وجداننا، اجتمعنا لنعيد مجد القصيدة ولنجدّد عهد وطن مكلوم يستحقّ الحياة كأنّه امتدادٌ لتاريخ توقّف عند قصائده ومستقبلٌ مازال يتكئ على زند قصيدته وأشعاره، لم أعرفه سابقاً كما عرفته الآن ولم أقرأه إلّا من خلف تلك الستارة التي غطّت أعيننا لنمارس وجع الشباب النازف ألماً وفقراً.
كيف لي أن أكون حرفاً في قصيدة تختصر وطن وتخلق أوطاناً وحياة؟
كيف لي يا صديقي أن ألملم تلك الحروف التي تناثرت على مدرّج جامعة دمشق أو في بهو قاعة المركز الثقافيّ السوفييتي أو بين الحضور في المركز الثقافيّ العربيّ بأبي رمانة؟
بل كيف أرسل تلك المشاعر المحرضة وأجمعها في قصيدة لتضاهي حرفاً من حروفك، أنا الجالسة خلف آلة التسجيل لأسمع هذا الصوت الذي منحني كلّ الثقة والصدق والألم والفرح، وكلّ حالات الإنسانيّة كانت تخرج منها، وأنا المزهوّة بك والشامخة بصوتك وثقتك وقوتك وإنسانيتك وشعرك وعاطفتك الدفّاقة حبّاً للإنسان، لم أكن أتوقّع يوماً بأنّ الشعر يكتبنا ونحن نتحد مع ذات الشاعر وتتقاطع تفاصيلنا بتفاصيله ويُغني ذائقتنا حتّى بتنا لا نميّز من يكون المتلقي نحن أم القصائد أم الشعر، تماهينا حتّى غدت دمشق أجمل والمكان تحوّل إلى ساحة تنهمر فيها كلّ الأسئلة والمواجع والدهشة من ذرّات الهواء التي حُوِّلت معزوفة تنتظر أن يبدأ بإطلاقها.
هو أيمن أبو شعر مع احتراف المكانة والمكان، وهي دمشق المشتاقة للشاعر الشاب الذي أعاد شبابه من خلال قصائده الموجهة والمحفزة قصائد أطلقها ليقول لنا: لا يأس بعد اليوم رغم كلّ احتراق لنا لكنّ الأمل كان معقود عليكم وعلى قوتكم في الثبات ورفض كلّ حالات القهر والألم كيف لا كلّ ما أكتبه هو شهادة يستحقها ربّان الشعر وربما “سبارتاكوس” تنحّى لوقت لكنّه حاضر بيننا من خلال موسيقا أطلقها في قلوبنا وانطلقت عبر الهواء وكان وفياً احتفظ بأثرها وعبقها ومازال اللحن يفتّش عن صاحبه بيننا.
_كيف لا؟ فالشاعر عصف بمشاعرنا ومشاكلنا لكنّه أعطى الحلول لكلّ أزماتنا التي نعاني منها، هو يدرك معاناة الأم الثكلى بأبنائها أمّ الشهيد التي تحمل رفاة ولدها وهي ترفعه للسماء لتقول إنّ السماء تليق ببطولة هؤلاء عليها أن ترفعهم إليها حتى يجاوروا النجوم وهذا ما وجدناه في رثاء الشاعر للإعلامي خالد الخطيبب:
الحشد يوم وداعك الماجد
يعلي عروق النبض في الساعد
تمضي بكل شوارع الرؤيا
كقصيدة تجثو عند قدميك يا خالد
قصيدة تأخذنا إلى صورة الشهيد.
وهو يتابع الأحداث بكلّ مصداقية وثقة وتفانٍ في عمله إلى أن ترتفع روحه لتزرع بين النجوم فيختم الشاعر أيمن أبو شعر بقوله:
والحشد يوم وداعك الماجد
أهداك طقس المجد ياخالد
هذه القصيدة هي لكلّ من رحلوا وكانواصادقين في حبّهم لهذا الوطن، وكذا الشاعر كان نبضهم حتى في فقدانهم ونبض ذويهم.
في مجموعته التي عنونها (اعترافات عاشق أو العذاب الشهي) والتي جمعت بين أوراقها وفاء الشاعر وولاءه لذكراهم، فهو صاحب التجربة الغنيّة وهي التجربة التي أهّلته لأن يشتاقه المتلقي والمنبر لكنّ اشتياق أرض عطشى للماء ليقول لنا نعم أنا مازلت هنا معكم ومازلت نبضكم وصوتكم ومازال لديّ الكثير الكثير لأشارككم به ونكون على قيد وطن وقصيدة وها أنا أقدم كل جديد لديّ لنحتفي معاً، ففي اعترافات عاشق كانت اعترافات الشاعر عبارة عن صور اجتماعيّة نقلها عبر الولوج إلى أدقّ التفاصيل التي نعيشها بصورة أحياناً تتماهى واقعيّة وأحياناً فكاهيّة ومع ذلك كانت هي حياتنا وذاتنا مع اختلاف الأماكن.
فمن القصّة القصيرة الأولى الكتابة بالضماد وهي تحكي أوجاع وطن ومآسي شعب وانهزام أرواح وانكسار رؤى وقيم إلى القصّة الأخيرة في المجموعة انتخابات والتي مازالت تذكّرنا بأيام الغابات وشريعتها.
أيمن أبو شعر كان وحتّى اللحظة المواطن الصادق والشاعر الذي تنبأ ورسم خطا وطن مكلوم ورسم خطانا المتعثّرة بهول الفجيعة، كأنّنا قصصه مجتمعة لكنّ مضمونها يحفزّنا على نقهر الظلم وخلع رداء الضعف والسذاجة، كيف لا وهو الذي ختم أمسيته بقصيدة تجعل كلّ الحاضرين يهبّون مصفقين لأنّه أعطانا الحلّ، شخّص الداء وأعطى الدواء حين يجعلنا نرفض كلّ الأوجاع والآلام والانكسارات:
هذا زمنُ الحض على الرفض
حلم كالنسر رؤى ينقض
كجنون البحر المضطرب
يهتاج بأمطارِ الشُهُبِ.
افتتاحية لقصيدة حماسية هي للرفض والرفض والحض على استمرار الحياة لكن بكلّ شجاعة وكرامة وإصرار
فاصرخ وانهض
كن أنت النبض
لا ترضى بأن تتجدول وسط سجلّات التدجين
فلعل المصل سوار كمين.
وبكلّ ثقة يعطينا دفقاً من الحب وشعلة من الأمل وهو الشاعر نبض الأمّة وضميرها بل شاعر بحجم أمّة لايمكن إلا أن يكون دفّاقاً بالحب.
في أمسيته التي أعادتنا إلى دمشق وهي بكامل أوجها الثقافيّ أعادتنا لمدرّج جامعتها وقاعة لمركز الثقافيّ السوفييتي وجلوس الجمهور المتعطّش للكلمة الصادقة وللقصيدة التي تحاكي واقعه وتشرح أوجاعه, جمهور يرى أن متنفسه هي قصائد شاعر عجن الكلمات بالحبّ والألم وأوجاع الناس، كان الحضور توّاقين للاستماع ل(سبارتاكوس) توّاقين لشاعر دمج ذاته وإبداعه مع الشريحة الواسعة من المقهورين، كيف لا وهو الذي وزّع الحب والفرح بين قصائده ونثرها في الهواء فاستلمها كلّ الحاضرين وكانت لكلّ فرد منهم قصيدة وحكاية حكاية ربّما لاتخرج إلا من خلال شاعر وهب نفسه لهم وللكلمة الصادقة الحيّة.
أمّا أنا فكان لي حكاية حكاية مع شريط الكاسيت المكتوب عليه بالخطّ الأزرق أيمن أبو شعر وحكاية أخرى حين بدأت أدوّن ذكرياتي اليوميّة، وها أنا سأسرد عليكم مدى حبّي لشخص جعلني أعشق الكتابة وأقدم عليها بنهم:
_ حلم وأيّ حلم تحقق!
كنت نهاية مرحلة الإعداديّة، أحاول الكتابة على دفتر خاصّ بي، وهذا الدفتر أدوّن فيه أولى اهتماماتي الأدبيّة، دخل أخي وسألني: ماذا تفعلين؟
قلت: أحاول كتابة بعض ما يجول في خاطري.
قال لي: أتظنين نفسك (أيمن أبو شعر)؟أو …كان يردّد اسم كاتبة لن أذكر اسمها خوفاً من الاصطياد في الماء العكر.
قلت له: لكن أحاول ما باستطاعتي.
تلك الكلمات جعلتني أحلم بلقاء الشاعر والذي كان أخي المرحوم عماد الدين فطوم عاشقاً لكلّ قصائده. (من غير هذا الوقت)
وها أنا أحقق حلمي والتقيت بالشاعر والتقيت معه بدمشق التي أحبّ، التقيت بنبض الشباب الذين أحبوا الشاعر البحر، بحر في الثقافة وبحر في اللغة وبحر في حبّ البلاد.
في تلك الأيام كنت أرى شريط الكاسيت الأبيض نوع SONY
مخبأ بين أغراض أخي الشخصيّة مكتوب عليه بالحبر الأزرق أيمن أبو الشعر .حينها بدأت أحلم بصاحب الصوت النقي القوي.
ملاحظة أولى:
( شو مفكرة حالك أيمن أبو شعر هه..ولا) هذه كلمات أخي بالعامية.
ملاحظة ثانية:
حينها لم نيأس والتقينا من بعيد بعد أن ذهبت مع أخي إلى أمسية كان لجمهور الحضور هدير من الحبّ والتلاقي والتقاطعات في الأفكار والطرح وحبّ الأرض والوطن.
كلّ هذا الحب والحلم تحقق وها أنا أُكرّم به.
كلماتي فقيرة أمام شاعر بقامة أيمن أبوالشعر. أيمن أبو شعر شاعر بحجم أمة
شكراً لأنّك أعطيتنا كلّ هذا الحب للوطن. تحقق الحلم :بعد أن كُرمنا بالأدباء والقامات التي أغنت حلمنا :
د.حسن حميد نيابة عن المبدع رشاد أبو شاور ,د.قحطان بيرقدار ,د.عادل فريجات.حيث قدموا الخط البياني المتصاعد أبداً إلى القمة في تجربة المبدع أيمن أبو الشعر.
Discussion about this post