الألعاب الرقمية : من ساحة اللعب إلى ساحات الصراع …
كتب … أشرف كمال
لم تعد الألعاب الرقمية مجرد انعكاس رمزي للواقع أو مساحة محايدة للترفيه، بل تحوّلت إلى فضاء سيميائي فاعل يُعاد فيه إنتاج الصراع العنيف، لا بوصفه حدثًا تاريخيًا فحسب، بل كخبرة تفاعلية تُعيد تشكيل الإدراك والذاكرة والوعي الجمعي. ففي هذا الفضاء، تتداخل السرديات السياسية مع آليات اللعب، ويتحوّل اللاعب من متلقٍ سلبي إلى مشارك في إعادة تمثيل الحدث، بما يحمله ذلك من شحنة أيديولوجية وثقافية. وهنا تتجلّى “القوة الناعمة” في أحد أكثر أشكالها تأثيرًا، حيث يصبح اللعب فعلًا سياسيًا بامتياز، الأمر الذي يفرض تساؤلات جوهرية حول الحدود الأخلاقية للتعبير في العصر الرقمي، ودور المنصات التفاعلية في صناعة الوعي وتوجيهه.
هذا التحوّل في وظيفة الألعاب الرقمية من الترفيه إلى الفعل السياسي لا يبقى حبيس التنظير، بل يجد تجلياته العملية في أحداث واقعية معاصرة، حيث تداخلت ساحات الصراع العسكري مع منصات الألعاب الإلكترونية. وفي هذا السياق، برزت أحداث السابع من أكتوبر 2023، المعروفة بـ«طوفان الأقصى»، كنقطة انعطاف مفصلية لم يقتصر تأثيرها على المشهدين السياسي والعسكري، بل امتد إلى الفضاء الرقمي، حيث ظهرت أو جرى تحديث ألعاب إلكترونية أعادت تمثيل الحدث أو استلهمت سردياته، مثيرةً موجة من الجدل القانوني والأخلاقي والإعلامي على مستوى عالمي. ومن هنا، يسعى هذا التقرير إلى تفكيك العلاقة بين الحدث والمنتج الرقمي المرافق له، وتحليل أبعاده الثقافية والسياسية، وحدود ما يمكن اعتباره تعبيرًا فنيًا، وما يُنظر إليه بوصفه إعادة إنتاج للعنف في قالب تفاعلي.
_ خلفية الأحداث والتسمية :
في 7 أكتوبر 2023 شنّت فصائل المقاومة الفلسطينية، بقيادة حركة حماس، هجومًا واسعًا على إسرائيل أُطلق عليه اسم «طوفان الأقصى»، تخلل هجمات برية وجوية وبحرية وتسليلاً إلى المناطق الإسرائيلية المحيطة بقطاع غزة. هذا الحدث كان من أكبر المواجهات العسكرية في النزاع الفلسطيني–الإسرائيلي منذ عقود، وأثار صدمة سياسية وإعلامية عالمية، كما شكّل مصدرًا لجدل واسع حول التغطية، السرد الإعلامي، والتحليلات الاستراتيجية للأحداث.
الألعاب الرقمية المرتبطة بالصراع
Fursan al‑Aqsa: The Knights of the Al‑Aqsa Mosque
هذه اللعبة الإلكترونية هي عنوان بارز في النقاش العالمي حول الصراع والإعلام الرقمي. أُصدرت اللعبة لأول مرة في أبريل 2022، أي قبل طوفان الأقصى، وتدور حول شخصية فلسطينية خيالية تنضم إلى مقاومة مسلّحة بعد وفاة أسرها نتيجة القصف الإسرائيلي. في نوفمبر 2024، تم إطلاق تحديث بعنوان “Operation al‑Aqsa Flood” يُضيف فصولًا ومهامًا تحاكي جوانب من هجوم 7 أكتوبر، مثل تسلّل المناضلين إلى مواقع عسكرية إسرائيلية باستخدام معدات جوية مثل الزلاجات المُسيّرة.
_ الجدل القانوني والأخلاقي :
اللعبة أصبحت موضوع صراع قانوني في عدة دول، حيث تم إزالتها أو حظرها في المملكة المتحدة بموجب طلب من وحدات مكافحة الإرهاب، واعتبرت بعض الجهات أن محتواها يُعيد تمثيل أو يشجع على سلوكيات مرتبطة بهجمات إرهابية حقيقية. الحظر شمل أيضًا دولًا أخرى مثل ألمانيا وأستراليا بسبب قوانين تنظم محتوى العنف والتحريض على العنف على المنصات الرقمية.
ردود الفعل
مطوّر اللعبة صرح أن الهدف كان التعبير عن وجهة نظر سياسية وتسليط الضوء على معاناة الفلسطينيين، مؤكدًا أن اللعبة لا تشجع على العنف في الحياة الواقعية. بالمقابل، رأى البعض أن اللعبة تمجّد الإرهاب، بينما دافع آخرون عن بقائها باعتبارها جزءًا من حرية التعبير الفني والسياسي، معتبرين أن الألعاب وسيلة لإيصال سرديات ثقافية وسياسية معقدة.
_ الخلاصة :
الارتباط بين الصراع السياسي طوفان الأقصى / 7 أكتوبر 2023 وبعض الألعاب الرقمية يظهر كيف يمكن للألعاب أن تصبح فضاءً سياسيًا تفاعليًا. النقاش حولها يشمل الأبعاد القانونية، الأخلاقية، الثقافية، والإعلامية، مؤكّدًا أن الألعاب الرقمية لم تعد ترفيهًا محايدًا، بل جزءًا من أدوات صناعة الوعي وتوجيهه في العصر الرقمي.






































