كان صادقًا جدًّا حين
قالَ لي:
“لن يفرّقَنا إلّا الموت”
قالها وأصابعُهُ لا تزالُ معلّقةً على أوتارِ العودِ
كأنّهُ كان يعرفُ
أنَّ بعضَ الألحانِ
لا تُعزَفُ مرّتين
وكان يحادثُني بالموسيقى
يخبّئُ اعترافاتِهِ
بين مقامٍ وآخر
ويتركُني أفهمُ
مِنِ ارتجافةِ وترٍ
ما تعجَزُ عنه اللّغة
لم يقُلْ لي أُحبُّكِ
لكنَّهُ علّمَني أنَّ الحبَّ لا يُقال
وأنَّ العودَ
لا يَمنحُ صوتَهُ
إلّا لمَنْ يوجِعُهُ بصدقٍ
كان ينحني على آلتهِ
كَمَن يصلّي
فأُدرِكُ بأنّني
جزءٌ من هٰذا الابتهال
نختلفُ
فيغيّرُ المقام
نحزنُ
فيطيلُ التّقاسيمَ
نفرحُ
فتضحكُ الأوتارُ
كأنَّ الموسيقى كانت تعرفُنا
أكثرَ ممّا نعرفُ أنفسَنا
و تعرفُ أنَّ الوجعَ
إذا مرَّ على العودِ
صار معنًى
ونتصالحُ حين يعودُ
اللحنُ إلى قرارِهِ
لم نخَفْ من الصّمتِ
لأنّ الصّمتَ جزءٌ من مناجاةِ اللهِ والموسيقى
وفجأةً…
تركَ وترَهُ الأخيرَ معلَّقًا
في الهواء
وتركَ العودَ وحيدًا على الجدار..
توقَّفَ نبضُ العزفِ
وبقيَ المقامُ مبتورًا
واليوم
حين ألمسُ العودَ
أسمعُ صوتَهُ
وأفهمُ كلمتَهُ
لم يكنْ يتحدّى الفراقَ
لكنّهُ لم يعزفِ النّغمةَ الوحيدةَ
الّتي لا أحتملُ سَماعَها…
ولا أستطيعُ نسيانَها
لم يكنْ قولُهُ وعدًا
بلْ كانَ نُبُوءَةً
فالحُبُّ الحقيقيُّ لا يُكتبُ له الخلودُ
إلّا إذا صُلِبَ موجوعًا.
عايدة قزحيّا
“نارٌ من رماد”






































