آيُ مسك الختام في صحب سيّد الأنام ﷺ رضى الله عنهم
عثمان بن عفان رضى الله تعالى عنه
إنَّ لكلِّ نبيٍّ رفيقًا ، وأنت رفيقي في الجنَّة
الشهيد المظلوم الأواب التواب ، الحيي الكريم ، التقي العابد النقي الورع ، ذو النورين ، وصاحب الهجرتين ، والمصلي إلى القبلتين ، إنه الرجل الذي كان إسلامه غضاً وديعاً كأنفاس الزهر في فجر الربيع، مع أول إشراقة وإطلالة للإسلام ، فلم يكد الصديق يهمس في أذنه بدعوة محمد ﷺ إلا وينفتح قلبه للإسلام عن آخره ، ويمضي ليسابق الزمن إلى دار الأرقم بن أبي الأرقم ليشهد شهادة الحق والصدق بين يدي رسول الله ﷺ ، إنه الرجل الذي لم يقرأ الموتورون والمرجفون والمجرمون تاريخه ، إنه الغني السخي الكريم الحيي زوج الابنتين و جامع القرآن . اسمه عثمان وكنيته أبو عبد الله ولقبه ذو النورين .
نسبه هو « عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي يلتقي نسبه بنسب الرسول ﷺ في عبد مناف الجد الثالث للنبى ﷺ
أمه : أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب .
إسلامه.
كان عثمان غنيًا شريفًا في الجاهلية ، ومن أحكم قريش عقلًا وأفضلهم رأيًا ، كما كان محبوبًا من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته ، كما أنه لم يشرب الخمرقط في الجاهلية ولا في الإسلام . وقد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام .
أسلم عثمان بن عفان حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره ، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلًا له : « ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل ، هذه الأوثان التي يعبدها قومك ، أليست حجارة صمّاء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع؟ فقال: بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر : هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه ، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه؟ فقال : نعم ». وفي الحال مرَ ﷺ فقال : « يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه » قال: « فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت ، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له ، وأن محمدًا عبد الله ورسوله ».
( صعد النبي ﷺ أحداً – على جبل أحد- و أبو بكر وعمر وعثمان ، فرجف بهم الجبل ، فخاطب النبي الجبل وقال: اثبت أحد ، فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان والنبي هو: محمد ﷺ ، و الصديق : هو أبو بكر، والشهيدان هما : عمر وعثمان رضي الله عنهما .
قال عنه رسول الله ﷺ ( ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة )
الآيات التي نزلت في عثمان :
( مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) البقرة 261
الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾.البقرة 262
( الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) البقرة 274
قال عبدالله بن سمرة جاء عثمان بالف دينار فصبها في حجر النبي لتجهيز جيش العسرة فقال ﷺ ما ضرابن عفان ما عمل بعد اليوم ، اللهم لا تنس هذا اليوم لعثمان) .
وقال أبو سعيد الخدري رأيت النبي ﷺ رافعا يديه يدعو لعثمان قائلا ( يا رب عثمان إني رضيت عن عثمان فارض عنه فما زال يدعو حتى طلع الفجر).
وقد حث النبي ﷺ الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك فجاءه عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف درهم فقال للنبي كانت لي ثمانية آلاف فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها لربي ، فقال النبي ﷺ: بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت ، فقال عثمان : عليّ تسليح من لا سلاح له فنزلت:
( إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) البقرة 271.
وقال النبي ﷺ من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان ، وقال من جهز جيش العسرة فله الجنة ، فجهزه عثمان قال تعالى : ( أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُوا الالباب) الزمر9
وفَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عَطَاءٍ: نَزَلَتْ فِي أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه ، وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ ذاك عثمان بن عفان رضي الله عنه لكثرة صلاته بالليل وقراءته حتى إنه ربما قرأ القرآن في ركعة كما روى ذلك أبو عبيدة عنه .
قالت أمنا عائشةُ رضي الله عنها : لقد كان رسول الله ﷺ يسند ظهرَه في بيته وأمامه عثمان ويأتيه جبريل ، ورسول الله ﷺ يقول : ( اكتب يا عثمان ). فما كان الله ليُنزلَ عثمان هذه المنزلةَ إلاَّ لأنَّه كريم على الله ورسوله .
قال عثمان رضى الله عنه : ” لو طهرَت قلوبُنا ، ما شبعَت من كلام ربنا ” ويقول رضي الله عنه” إنِّي لأكره أن يأتي عليَّ يوم لا أنظر فيه إلى عهد الله (المصحف)”، ويقول: “حُبِّب إليَّ من دنياكم ثلاث: إشباع الجوعان ، وكسوة العريان ، وتلاوة القرآن”، ويقول: “خير العِباد من اعتصم بكتاب الله عزَّوجل .”
وقد ورد أنَّ النبي ﷺ طلع على أصحابه ذات يوم فقال : ( رأيتُ اليومَ منازلكم في الجنَّة ) ثم التفت إلى عثمان فقال :
( يا عثمان ، إنَّ لكلِّ نبيٍّ رفيقًا ، وأنت رفيقي في الجنَّة ). وقال أبو هريرة رضى الله عنه : ( لقد اشترى عثمان الجنة من النبي ﷺ مرتين حين حفر بئر رومة وحين جهز جيش العسرة ).
وعن أبي موسى رضى الله تعالى عنه أن النبي ﷺ دخل حائطا وأمرني بحفظ باب الحائط فجاء رجل يستأذن ، فقال ائذن له وبشره بالجنة فإذا أبو بكر ثم جاء آخر يستأذن ، فقال ائذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم جاء آخر يستأذن فسكت هنيهة ، ثم قال ائذن له وبشره بالجنة على بلوى تصيبه فإذا هوعثمان . وكان النبي ﷺ قاعدا في مكان فيه ماء قد كشف عن ركبتيه فغطاها وقال : أَلاَ أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلاَئِكَةُ (مسلم).
عن ابْنِ عُمَرَ – رضي الله عنهما – قال: ( كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَنُخَيِّرُ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم ) .
وعن نافع عن ابن عمر رضى الله تعالى عنهما قال : كنا في زمن النبي ﷺ لا نعدل بأبي بكر أحدا ثم عمر ثم عثمان ثم نترك أصحاب النبي ﷺ لا نفاضل بينهم . وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله ﷺ وكانت مريضة ، فقال له رسول الله ﷺ إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحدا أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله ﷺ عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة ، فقال رسول الله ﷺ ( بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده ، فقال هذه لعثمان ).
أرجى آية عند عثمان رضي الله عنه قال : « قرأتُ جميع القرآن من أوّله إلى آخره فلم أَرَ آية أحسن وأرجى من قوله تعالى: { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } [ الِحجر: 49 ] .
و قال ابن عباس – رضي الله عنه – عندما أسلم أبو بكرٍ الصديق- رضي الله عنه- وصدّق رسول الله ﷺ فجاء كلاً من عثمان ، وابن عوف ، وطلحة ، والزبير، وسعيد بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، فسألوه عن الإسلام ، فأخبرهم أبو بكر عنه ، فأسلموا، فنزل فيهم قول الله تعالى : { فَبَشِّرْ عِبَادِ* الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ }.
قال الله تعالى : { أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى* وَأَعْطَى قَلِيلًا وَأَكْدَى } ذكر ابن عباس وغيره أنّها نزلت في عثمان ، فقال : ” كان يتصّدق وينفق في الخير، فقال له أخوه من الرضاعة ؛ عبد الله بن أبي سرحٍ : ما هذا الذي تصنع ؟ يوشك أن لا يبقى لك شيء ، فقال عثمان : إنّ لي ذنوباً وخطايا ، وإنّي أطلب بما أصنع رضا الله سبحانه وتعالى عليّ ، وأرجو عفوه ، فقال له عبد الله : أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمّل عنك ذنوبك كلّهَا ، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن بعض ما كان يصنع من الصدقة ، فأنزل الله تعالى الآية ، فعاد عثمان إلى أحسن ذلك وأجمله .
موقف سيدنا على بن أ بى طالب من المتمرديندخل علي بن أبي طالب على عثمان في داره وقال : [ يا أمير المؤمنين! ما أرى القوم إلا قاتليك فمرنا فلنقاتل ] فقال عثمان الأواب التواب التقي الحيي النقي الذي علم أن رسول الله ﷺ قد بشره بالشهادة بل وجاءه في الليلة السالفة الماضية ليقول له : ( أفطر عندنا غداً يا عثمان ) وهو ابن الثمانين فلماذا يقاتل؟ ولماذا تهراق الدماء بسببه ؟ فنظر عثمان إلى علي وإلى رقيقه ومواليه وقال : [ أقسم بالله على كل من لي عليه حق أن يغمد سيفه وأن يكف يده وأن يرجع إلى منزله ] ؛ ونظر إلى مواليه وقد شهروا السيوف فقال لهم : [ من أغمد سيفه فهو حر] ؛ وهكذا أعلن عثمان قولته الخالدة : [ ما أحب أن ألقى الله وفي عنقي قطرة دم لامرئ مسلم ] ؛ وآثر الشهادة في سبيل الله وألا تبدأ الفتنة . وانطلق علي بن أبي طالب إلى المسجد فحان وقت الصلاة ؛ فقال الناس : تقدم يا أبا الحسن ! فصلِّ بالناس فقال : والله ما كنت لأصلي بكم والإمام محصوروصلّى وحده وتركهم وانصرف .
كان عثمان قد ولي اثنتي عشرة سنة خليفة للمسلمين ، وقد بدأت أحداث الفتنة في النصف الثاني من ولايته وهي التي أدت إلى استشهاده .
ومن أسباب تلك الفتنة الرخاء في عهده ، وطبيعة التحول الاجتماعي وظهور جيل جديد غير جيل الصحابة ، بالإضافة إلى الشائعات ، والعصبية الجاهلية ، ومن أهم الأسباب خوض المنافقين حيث وجدوا من يستمع إليهم . وكان المدبر الرئيسي للفتنة هو عبد الله بن سبأ ، الذي كان يهوديًا وأظهرالإسلام في عهد عثمان ، ومنهم من عمل على محاصرة عثمان بن عفان في داره وزوروا عليه كتابًا ورد فيه بأنه يريد قتلهم بعد أن أعطاهم الأمان على أنفسهم . وعندما اشتد أمرأهل الفتنة وتهديدهم للخليفة بالقتل تحرك الصحابة لردهم وقتالهم وهو ما رفضه عثمان وأمر بألا يرفع أحد السيف للدفاع عنه ، وأن لا يُقتل أحد بسببه ، فقد كان يعلم بأنهم لا يريدون أحد غيره ، فكره أن يحتمي بالمؤمنين ، وأحب أن يقيهم بنفسه ، ولعلمه بأن هذه الفتنة فيها قتله . فعن عبد الله بن حوالة أن رسول الله ﷺ قال: « من نجا من ثلاث فقد نجا ، ثلاث مرات ، موتي والدجال ، وقتل خليفة مصطبر بالحق معطيه » . وعن ابن عمر قال: ( ذكر رسول الله ﷺ فتنة ، فمررجل فقال : يُقتل فيها هذا المقنع يومئذ مظلومًا » قال : فنظرت فإذا هو عثمان بن عفان .
وفاته
هاجم المتمردون دار عثمان وأصيب ذلك اليوم أربعة من شبان قريش وقتل منهم أربعة ، ثم هجموا على عثمان بن عفان فقتلوه ، وهو يقرأ في المصحف فانتضح الدم على قوله تعالى فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ (سورة البقرة، الآية: 137 . كان ذلك في يوم الجمعة الموافق 18 من شهر ذي الحجة سنة 35 هـ ، وعمره 82 سنة ، ودفن في البقيع ليلة السبت بين المغرب والعشاء رضي الله عنه وأرضاه .
جمعه ونقحه
الفقير إلى مولاه/ أبو الندي
محمود فوزي الموجي






































