حوار | دار «رؤية» للنشر: نكتب من الطفل… وإليه ..
بقلم : سلمى صوفاناتى
في زمنٍ تتسارع فيه الصور وتضيق فيه المسافات، يبقى الكتابُ فعلَ مقاومةٍ هادئة، وبذرةَ وعيٍ تُزرع في أعمارٍ لم تكتمل بعد. هناك، حيث تتشكّل اللغة الأولى، وتتكوّن الأسئلة الكبرى في قلب الطفل، يصبح للكلمة مسؤولية مضاعفة، وللقصة دورٌ يتجاوز التسلية إلى بناء الإنسان.
من هذا الأفق، تولد المشاريع الثقافية الصادقة، لا بوصفها مؤسسات نشر فحسب، بل باعتبارها جسورًا تمتد بين الطفل وذاته، وبين الجذور والعالم. «دار رؤية» واحدة من تلك المبادرات التي اختارت أن تنحاز إلى الطفل، وأن تكتب له لا عنه، وأن تجعل من الكتاب مساحة آمنة للخيال، واللغة، والانتماء.
في هذا الحوار، نقترب من فلسفة دار «رؤية» في أدب الطفل، وننصت إلى رؤيتها لما يجب أن يكون عليه الكتاب العربي الموجّه للناشئة، عبر حديثٍ مع الأستاذ هارون الزير، مدير الدار، الذي يحمل همّ الكلمة بوصفها رسالة، ويرى في الطفل بداية كل مستقبلٍ ممكن.
حوارٌ لا يبحث عن الإجابات الجاهزة، بقدر ما يفتح النوافذ على أسئلة الهوية، واللغة، ودور الثقافة في زمن العبور بين الأوطان
.س 1 :
كيف ولدت فكرة تأسيس دار «رؤية»؟
-ولدت فكرة تأسيس دار «رؤية» في تركيا، في لحظة التقاء بين واقعٍ معيش واحتياجٍ ثقافي لم يُلبَّ بعد.
فعند وصولنا، لمسنا وجود جالية عربية كبيرة تتنامى بسرعة، تضم أطفالًا وعائلات يعيشون بين ثقافتين ولغتين، ويملكون وعيًا واسعًا بالعالم المعاصر، لكنهم يفتقرون إلى مصادر معرفية عربية تخاطبهم بعمق وصدق.
وفي مدارس الشتات والمجتمعات العربية في تركيا وأوروبا، لاحظنا نقصًا واضحًا في كتب الأطفال واليافعين باللغة العربية، خصوصًا تلك التي تعالج تحديات الهوية والعيش بين ثقافتين.
من هنا، انطلقت دار «رؤية» كمشروع ثقافي يهدف إلى تقديم كتب عربية عالية الجودة، تُثري عقول الأطفال والناشئة، وتوازن بين الانفتاح على العالم والاعتزاز بالجذور.
س 2 :
لماذا اخترتم التخصص في أدب الطفل؟ وماذا يعني لكم شعار «من الطفل وإليه»؟
-اخترنا أدب الطفل لأن الطفل هو نقطة البداية لكل تحوّل حقيقي. ففي السنوات الأولى تتشكّل اللغة، والقيم، وطريقة النظر إلى العالم. ونحن نؤمن أن الاستثمار في الطفل هو الاستثمار الأعمق والأبقى، وأن ما يُزرع اليوم يصنع قارئ الغد ومفكّر المستقبل.
أما شعار «من الطفل وإليه»، فيعني أن الطفل هو المرجع والغاية معًا. نبدأ من عالمه الحقيقي: أسئلته، مخاوفه، فرحه، لغته اليومية، وتجربته المعاصرة، ثم نكتب إليه بلغة تحترم عقله ولا تستخف به. لا نكتب عن الطفل من موقع الوصاية، بل نكتب منه وإليه.
س3 :
كيف تقيّمون واقع كتاب الطفل العربي اليوم؟
– يشهد أدب الطفل العربي اهتمامًا متزايدًا، خاصة في المهرجانات والجوائز الكبرى التي تستقطب مئات الأعمال من دور نشر مختلفة، ما يعكس حراكًا ثقافيًا حقيقيًا وتطورًا ملحوظًا في نوعية الإنتاج، سواء من حيث الفكرة أو الإخراج أو المعالجة الفنية.
س 4 :
ما المعايير التي تعتمدونها لقبول الأعمال؟
– نعتمد في دار «رؤية» معايير واضحة، في مقدمتها احترام عقل الطفل، وتقديم لغة عربية سليمة ومحبّبة، تحمل قيمة تربوية غير مباشرة، وتراعي الخصائص العمرية والنفسية للفئة المستهدفة.
كما نولي أهمية للأصالة والابتكار، وللنصوص القادرة على التعبير عن الهوية بوعي وانفتاح، وقابليتها للتحوّل إلى تجربة قرائية وبصرية متكاملة.
ونؤمن أن الكتاب الجيّد هو ما يكون قريبًا من الطفل، صادقًا معه، وقادرًا على مرافقة نموّه الفكري واللغوي.
س 5:
كيف توازنون بين القيمة التربوية والمتعة الفنية؟
– لا نرى المتعة والقيمة التربوية طرفين متقابلين، بل مسارين يلتقيان في النص الجيّد. نبدأ من الفن: قصة محكمة، إيقاع جذّاب، وصورة تحرّك الخيال. وعندما يكون العمل صادقًا فنيًا، تأتي القيمة التربوية تلقائيًا من خلال المواقف والشخصيات، لا عبر التوجيه المباشر.
س 6 :
ما دور الرسوم والإخراج في نجاح كتاب الطفل؟
– الرسوم والإخراج عنصران أساسيان في كتاب الطفل، فهما جزء من القصة لا مكمّلان لها. الصورة هي اللغة الأولى التي يتواصل بها الطفل مع الكتاب، ومنها يتكوّن انجذابه الأول للقراءة.
أما الإخراج الفني، فينظّم العلاقة بين النص والصورة، ويخلق إيقاعًا بصريًا يجعل تجربة القراءة ممتعة وسلسة.
س 7 :
كيف تنظرون إلى الكتّاب الجدد؟ وما نصيحتكم الذهبية لهم؟
ننظر إلى الكتّاب الجدد بوصفهم طاقة متجدّدة وصوتًا ضروريًا لتطوّر أدب الطفل.
أما النصيحة الذهبية، فهي: امنحوا النص وقتَه. أنصتوا لإيقاع اللغة، اختبروا القصة بصوت عالٍ، واتركوها تنضج. النص الذي يُكتب بعناية يصل إلى الطفل بسهولة… ويصل إلينا كذلك.
س 8 :
ما طموحاتكم للسنوات القادمة؟
-نطمح إلى ترسيخ حضورنا كدار متخصّصة في أدب الطفل العربي، ومواكبة احتياجات الطفل في عالم سريع التغيّر، عبر مشاريع قصصية معاصرة تعالج الهوية واللغة والانتماء.
س 9 :
كيف ترون مستقبل أدب الطفل العربي؟
– مستقبله مرهون بالقدرة على التجديد والاقتراب من الطفل الحقيقي، والتخلّي عن القوالب التقليدية، وتقديم نصوص تحترم عقل الطفل وتوازن بين الهوية والانفتاح، مع تكامل أكبر بين النص والصورة والوسائط الحديثة.
س 10:
لو خاطبتم الطفل العربي بجملة واحدة، ماذا تقولون له؟
– اقرأ… لأن صوتك مهم، وقصصك تستحق أن تُروى، والعالم أوسع حين تراه بعينيك أنت.
س 11 :
كلمة أخيرة لصحيفة الرواد نيوز الدولية؟
نثمّن هذا الاهتمام بالثقافة وبأدب الطفل تحديدًا، ونؤمن أن الإعلام شريك حقيقي في بناء الوعي، فحين يلتقي الكتاب الصادق بالمنبر المسؤول، نصنع مستقبلًا أكثر إشراقاً لأطفالنا .






































