الدَّردَشَـةُ المَسَـائِيَّـةُ
41
[ أَلذَّاكِرَة تَحلُـمُ
أَمَّـا حُلـمُ اليَقظَـةِ فَيَتَذَكَّرُ ]
غ. بـاشلار
[ La memories rêve
La reverie se souvient . ]
- Bachelard
1
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّاكِنُ فِيَّ
طُفُولَتِي أَنتَ
وَأَنتَ ذَاكِرَتِي
وَكَي لا أَنسَى _
إِلى جَـانِبِي دَائِمًـا
قَلَـمٌ وَدَفتَرٌ
يَنتَظِرَانِ ذَاكِرَةً تَتَأَهَّبُ
الذَّاكِرَةُ مَنهَلُ انبِعَـاثٍ
مَـاءُ أَفكَارٍ وَصُوَرٍ شَعشَعَانِيَّـةٍ
وَضَوءٌ يُضِيءُ طَرِيقَ الكِتَـابَـةِ
2
بِـالذَّاكِرَةِ أَبنِي بَيتًـا
أَترُكُ لَهَـا أَن تَختَـارَ أَثَـاثَـهُ
وَتُحَدِّدَ مُوَاصَفَـاتِـهِ وَفَضَـاءَهُ
ذَاكِرَتِي _
مَدِينَـةُ حُبٍّ وَأَفرَاحٍ وَأَحزَانٍ
مَدِينَـةُ امرَأَةٍ _
يَنبَعِثُ من جَدَائِلِهَـا الشِّعرُ
مَحمُولًا على هُجرَةِ الذَّاتِ
لِلِقَـاءٍ هُوَ الأَنقَى
على مَتنِ قَصيدَةٍ تَهوَى السَّفَرَ
لِقُبطَانِهَـا تَقُولُ _
أُكتُبْ حُبًّـا
قَبلَ أن يَتَآكَلُـهُ الوَقتُ
قَبلَ أن يَغُورَ في مَدَائِنِ الأَحزَانِ
أُكتُبْ ضَوءًا يُنِيرُ الحَرفَ
وَأَشِعَّـةً تُثِيرُ الأَبجَدِيَّـةَ
بَعِيدًا من مَقَـايِيسِ العَقلِ
قُلْ للذَّاكِرَةِ _
أُخرُجِي من فَوضَاكِ
إلى انتِظَامٍ يُشعِلُ الوَقتَ
أَحمِلِي اللُّغَـةَ
بَعِيدًا من حِقدِ البَشَرِ
وَأَنوَاعِ العُدوَانِ
3
نَبَشتُ خِزَانَـةَ الذَّاكِرَةِ
بَحثًـا عن أَثوَابِ المَعَـانِي
وَأَلوَانِ الصُّوَرِ
وَكُلَّمَـا عَـادَ بِيَ الزَّمَنُ
إلى زَمَنِ وِلادَتِي
أَبصَرتُ حَدَائِقَ رَبِيعٍ
يَزهَرُّ فِيهَـا الحَجَرْ
يَعلُو الشَّجَرْ
عَالِيًـا وَفَـاءً للجُذُورِ
رَأَيتُ إلى الإِقَامَـةِ
في بَيتِ شِعرٍ دَهرًا
لَأَفضَلَ من إقَامَـةٍ وَلَو آنِيَّـةٍ
في قَفَصٍ مُوحِشٍ
أَحسَبُ أَنِّي إلى ضِفَّـةِ كِتَـابْ
أَتَسَلَّقُ عَتَمَـاتِ الدَّهرِ
مِنْ عَلَى أَعلَى سَحَـابْ
أَتَشَوَّفُ نَهرًا ضَوءُهُ يَجرِي مَـاءً
في شِعَـابِ العُمرِ
كُلُّ هٰذَا كانَ وَيَكُونُ
لأَنَّ امرَأَةً في آخِرِ الطَّرِيقِ
أَوَّلُ امرَأَةٍ أَحبَبتُهَـا
تحلُو الإقَـامَـةُ مَعَهَـا
لأَنَّ مَعَهَـا خَرَجَتْ أَحزَانٌ
كَانَتْ تَمَرَّدَتْ عَلَيَّ
إِمرَأَةٌ مَعَهَـا _
لَـمْ يَعُدْ لأَيَّامِي مَـا يُعَكِّرُ صَفوُهَـا
وَيَسَّـاقَطُ هَـمٌّ من غُيُومْ
رَسَمَتْ طَرِيقِيَ بِـالوَردِ
بِزَنَـابَقِ المَــاءِ
وَتَسابِيـحِ السَّمَــاءِ
وَعَطفِ النُّجُومْ
أَحبَبتُهَـا عَنْ ظَهرِ غَيبٍ
وَلا عَتَبٌ وَلا تَعَبُ
كَتَبتُهَـا بِحِبرِ القَلبِ
مِن خَمسِينَ عَـامًـا
وَأَكثَرْ
وَلا ضَيرَ وَلا عَجَبُ
أَن يَكُونَ لامرَأَةٍ
مَـا لَن يَكُونَ لِغَيرِهَـا مِنَ النِّسَـاءِ
4
إِمرَأَةٌ _
لَولاهَـا لمَـا تَعَلَّمتُ الشِّعرَ
وَلا كَتَبتُـهُ احتِفَـاءً بِهَـا
وَلمَـا قَرَأتُ العَـالَـمَ
وَلا كانَ لِكَلِمَـاتِي
أَن تُضَاءَ حُرُوفُهَـا
وَللفَضَاءِ _
أن يَكُونَ فَرَاشًـا وَقَندِيلَا
كُنتُ الفَرَاشَ
أَطُوفُ دَائِرَاتٍ دَوَائِرَ
أَستَسِيغُ المَوتَ حَولَ ضَوئِهَـا
إمرَأَةٌ _
شَجَرَةٌ جُذُورُهَـا في قَلبِي
وَالنُّسْـغُ دَمِي
وَالحُبُّ _
هٰذَا الأَقوَى مِنْ عَـاصِفَـةٍ
وُلِدَ في سَرِيرِنَــا
يَكبُرُ وَلا يَكبَرُ
إِنْ سُئِلنَـا لِمَـاذَا ؟
لأَنَّـهُ أَقوَى من مَوتٍ _
وَمن دَهرٍ أَعمَرُ
إمرَأَةٌ _
ضَوئِي
وَهَزِيزُ كَيَـانِي
ليسَ لِغَيمَـةٍ صَغِيرَهْ
أَو كَبِيرَهْ
أَنْ تَحجُبَهَـا عَن ضَيِّ عَينِي
إمرَأَةٌ _
أَمِيرَةٌ مُذْ كَانَتْ على حُبِّي
وعَلى الدُّنيَــا أَمِيرَهْ
قَلَّمَـا تًجِيءُ مِثلَهَـا نِسَـاءٌ
وَقَلَّمَـا لِنَهَـارِنَـا
أَن تُشرِقَ مِثلَهَـا شَمسٌ
إنَِّهَـا هِبَـةُ السَّمَـاءِ للأَرضِ
تَتَأَبَّطُ ضَوءًا مُنِيرَا
أَتَـأَبَّطُ قَلَمًـا وَحَرفًـا
في طَرِيقِـهِ إلى الشِّعرِ
حُبُّهَـا دِيني وَدُنيَـايَ
ذَاكِرَتِي وَأَمِيرِي
ميشـال سعــادة
مساء الإثنين 22/12/2025






































