كفنك جواز سفرك.
الكفنُ هو إرثُك الوحيد في رحلتِك إلى دارِ البقاء.
كلُّ ما حولَنا في الحياة زائلٌ: الألقابُ تتلاشى، والثّرواتُ تتبخّرُ، والأسماءُ تُنسى،
لكنّ كفنَك، هٰذا القماش الصّامت، يبقى شهادةً حيّةً على حقيقة وجودِك لا يكذبُ، وهو ثروتُك الوحيدة الّتي تستطيعُ حملَها، بل هو صديقُك الأوحدُ الّذي لا يتخلّى عنك، ويرافقُك طوعًا وجبرًا، وهو الهوّيّةُ التّي تَعبُرُ بها، دون أنْ تُدوَّنَ فيها طائفتُك ودينُك وحتّى وطنُك..
لا انتماءَ ولا ولاء، هي خالية حتّى من اسمِك وتاريخِ ميلادِك، وهو جوازُ المرور والعبور، حيث لا وِساطةَ حزب أو زعيمٍ، أو سفيرٍ أو رئيس..
لا يوجد فيه سوى خيوطِ أفعالِك، ودقائقَ نبضِك الّتي عشتَها.
كلُّ خيطٍ فيه حكايةٌ، وكلُّ عُقدةٍ فيه تجربةٌ، وكلُّ زاويةٍ فيه أثرٌ تركتَه في الحياة قبل أنْ يُغلقَ البابُ الأخير من فصلِ رحلةِ عمرِك.
في الكفنِ، لا مظاهرَ كاذبةً، ولا أقنعةَ، ولا ادعاءاتِ، لا رُتبَ ولا مراكزَ ولا مقاماتِ، لا خدمَ، لا عبيدَ، لا بكواتِ ولا طبقات..
في الكفن، لا تمييزَ بين أبناءِ القصور والجارياتِ، فهو الحقيقةُ الصّافيةُ لِما صنعتَهُ في الحياة، وقد حُيِّكَ من خيوطِ فرحِك وحزنِك وألمِك، ومن خيوطِ حُبِّكَ وكرهِك، تسامُحِك وحِقدِك، طاعتِك وعصيانِك، عدلِك وظلمِك، كرمِك وبخلِك، رحمتِك وقسوتِك، غيريّتِك وأنانيّتِك، وكلِّ اعتذارٍ لم يُقلْ،
كلُّها خيوطٌ متشابكةٌ، تصنعُ الكفنَ.
وفي نهاية الطّريق، لا يبقى لنا سوى ما صنعناه بأيدينا وأرواحِنا.
المالُ والأملاكُ تذوبُ، والكلماتُ تُنسى، والصّورُ تتلاشى،
لكنَّ الكفنَ، ذٰلك القماشُ الّذي يلفُّ جسدَنا هو ثوبُنا الأخير الّذي صنعنا تفاصيلَه بأنفسِنا.
هو زادُنا في آخرِ المطاف ممّا صنعناه من جميلِ الصّبرِ والعطاءِ، والإخلاص،
وهو الرّمزيّةُ الصّامتةُ لكلِّ ما بقي من حقيقتِنا.
إنّه فاتورةُ ضمائرِنا المؤجَّلَةِ الدّفعِ بعد الرّحيل.
بقلم … عايدة قزحيّا
ساعة الرّحيل





































