برنارد لويس وإعادة تقسيم المنطقة
دكتور حميد حسن طاهر عميد كلية العمارة الجامعة دكتور ماهر جبر رئيس قسم القانون
برنارد لويس كاتب بريطاني يهودي الديانة أمريكي الجنسية صهيوني التوجه والهوى، يتنفس حقداً وكرهاً للعرب والمسلمين، عكف على دراسة تاريخ المنطقة وجغرافيتها وأيقن أن المدخل الوحيد لإحتلال هذه المنطقة وإنبطاحها لصالح الكيان الصهيوني في إسرائيل لن يتأتى بالقوة المسلحة فقط، إنما وجد ضالته في اللعب على وتر الخلافات العقائدية والمذهبية، فيحول بذلك صراع العرب والمسلمون مع إسرائيل الى صراع بينهم يضعفهم ويذهب بقوتهم لصالح عدوهم الأكبر، فأعد مشروعه اللعين الذي رأى فيه ضرورة تقسيم المنطقة العربية والإسلامية الى وحدات عشائرية وطائفية، وإعادة إحتلال المنطقة على أن تكون المهمة المعلنة هي تدريب الشعوب على الحياة الديمقراطية، والعمل على إستثمار الخلافات العرقية والعصبيات القبلية والطائفية.
وكأن برنارد لويس إستلهم فكرة إيهام الشعوب بتدريبهم على الديمقراطية من الحملة الفرنسية على مصر والتي أعلنت أن مجيئها الهدف منه القضاء على المماليك وتمكين المصريين من حكم بلادهم بأنفسهم، كذب الفرنسيون أكبر مناصري اليهود وكذب برنارد لويس من بعدهم، لكنه وتر غباؤنا وتناحرنا يعزفون عليه.
ويذكر مشروع برنارد لويس أنه توجد ثلاث قوى عربية يجب التركيز عليها العراق، سوريا، مصر، وهو ما ركز عليه أيضاً الكيان الصهيوني عندما قال بن جوريون إن اللعب على الوتر الطائفي قد نجد له طريقاً في كلاً من سوريا والعراق نظراً للتقسيمات السنية والشيعية والدرزية وغيرها، أما في مصر فإن ذلك سيكون صعباً لقوة ترابط الأمة المصرية مسلميها ومسيحييها على مر الزمان، لكننا سنحاول، ولن يعتمد نجاحنا في هذه الدول الثلاث على ذكاؤنا، بقدر ما يعتمد على غباء الآخرين.
ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة الأمريكية قد إعتنقت فكر برنارد لويس لتقسيم الأمة العربية والإسلامية في أجندتها السياسية منذ ستينيات القرن الماضي، وعملت على تحويل هذا المشروع من أفكار مكتوبة الى واقع ملموس فساعدت على إذكاء نار الحرب بين العراق وإيران، ثم إستغلت غباؤنا كذلك في حرب الخليج الثانية وإحتلال العراق للكويت.
فماذا كان يبغي برنارد لويس من وراء مشروعه الخبيث؟.
هدف برنارد اللعين بالدرجة الأولى تمثل في تفكيك كل الدول الإسلامية والعربية، ليس تفكيكاً لتكتلات موجودة بينها، لأنه لا يوجد في الواقع تكتلات بين العرب والمسلمين، وإن وجدت فهي مسميات فقط، منظمة الوحدة الإسلامية، جامعة الدول العربية، وما هي إلا كيانات للتراشق بالألفاظ، بل بالأحذية في أغلب الأحيان، فقد إتفقوا على ألا يتفقوا، إنما كان هدف برنارد لويس ينصب على تفكيك الدولة الواحدة عدة دويلات صغيرة متنازعة على أساس عرقي ومذهبي، ولم يجد ما يحقق هذا الهدف الخبيث إلا اللعب على وتر الفتنة الطائفية والتقسيمات القائمة على أساس ديني مستغلاً جهل هذه الشعوب بأمور دينهم من ناحية، ناهيك عن توصية مشروعه بإستمالة حكام هذه الدول بدعوى المحافظة على مقاعدهم التي يجلسون عليها، لذا كان الهدف موجهاً للعراق وسوريا ومصر ولبنان والسودان وأفغانستان، وباكستان وتركيا والسعودية واليمن وكل دول الخليج، وشمال أفريقيا.
ويبحث السؤال المطروح مرة أخرى عن نجاح مشروع برنارد لويس وهل يعود ما تحقق منه لذكاء من أرادوا تنفيذه، أم لغفلتنا نحن العرب والمسلمين؟، الواقع كذلك يؤكد أن تقاعسنا جعلهم ينفذون ما أرادوا بأيدينا.
ثم كانت ثورات الخراب العربي والتي حركتها القوى الصهيونية في كل الدول العربية فنحن لم نقم بثورة، بل فُعِلَت بنا ثورة، غير أن ذلك لا يعني صحة وصف من قاموا بهذه الثورات بالخونة المارقين، إنما هم شباب طاهر غُرِرَ بهم، بل الخونة من دفعوا بهم ليثوروا عليهم، ألم تكونوا سوطاً في يد أعدائهم يلهبهم ليل نهار، فليتبادلوا معكم الأدوار، لو لم تتركوهم ما تركوكم، ولو إنتميتم اليهم لملأت أجسادهم الشوارع والأزقة دفاعاً عنكم، لكنكم شبعتم وبعتم، وهم جاعوا وضاعوا، أخذتم خيرات البلاد ولم تتركوا لهم شيئاً، ثم طالبتموهم بالتضحية من أجلها، جيلاً بعد جيل الفقراء يتوارثون الفقر، وناهبي حقوقهم يسلمون الثروات لأبنائهم ثم أحفادهم، ثم إستوليتم على مكتسبات ثوراتهم، وكما يقول جيفارا الثورة يقوم بها الأطهار ويستولي عليها الفجار.
لذا فقد وجد الكيان الصهيوني الفرصة مواتية والتربة خصبة لتحريك الشعوب ضد القهر والظلم الذي أفقد الناس ولائهم وإنتماؤهم، ثم إحتلال دولهم بدعوى نشر الديمقراطية، ولا نقصد بذلك الإحتلال العسكري فقط، لأن مشروع لويس أوضح أن ذلك لن يكون كافياً، بل لابد من التقسيم على أساس مذهبي وطائفي، وبالتالي يستمر الصراع الذي لا يلوح في الأفق نهاية له، وهذا ما نراه الآن ماثلاً أمام أعيننا، فلا إستقرار لإقتصاد، ولا نهاية لللصوص الذين يسرقون في ظل القانون الذي وضعوه أو وُضِعَ لهم، فترى حكومات في شعوب لا تعرفهم ولا يعرفونها، إنما سقطوا عليهم في ليلة حالكة السواد، وأحالوا أيامهم ولياليهم الى قهر وعذاب.
تغيير التركيبة السياسية في الدول العربية والإسلامية إذاً هو الهدف الأكبر لبرنارد لويس لتصبح خليطاً من دويلات قائمة على أساس طائفي، وهو الهدف الأهم، كي يتيح الفرصة لإسرائيل للحضور بفعالية على الصعيد العالمي لمحو الهوية العربية والإسلامية، من خلال فقدها لدورها الإقليمي والدولي، وقد نجحت في ذلك تماماً.
غير أن أهم بنود هذا المشروع تمثلت في كيفية إنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، وتطبيع العلاقات مع العرب، والتي بدأت خطواتها الأولى مع كامب ديفيد والتي قاطع العرب مصر من أجلها، ثم تكالبوا جميعاً بعد ذلك على الحج الى إسرائيل وارتموا في أحضانها، وقد يقول قائل وما يضيرنا في السلام مع الكيان الصهيوني؟، من الجلي والواضح لكل ذي عقل أن إسرائيل تكسب كثيراً من خلال التطبيع، حيث إنتهاء وتوقف النزاعات المسلحة بينها وبين العرب، بل تلتزم الدول العربية المطبعة معها كذلك بمنع المقاومة المسلحة للأفراد والمنظمات الفدائية التابعة لها مما خلق فتنة بين الأنظمة الحاكمة والمقاومة(فتح وحماس)، وحول هذه الأنظمة الى جلادة لأبناءها.
أما تقسيمات برنارد لويس والتي صمم عليها خرائطه فكانت كما يلي :.
السودان يتم تقسيمها الى أربع دويلات، النوبة وتضم جزء من شمال السودان، وجزء من جنوب مصر فيما يعرف بدويلة النوبة وتكون عاصمتها أسوان، ثم دويلة الشمال المسلمة، ودويلة الجنوب المسيحية، ودويلة دارفور.
وفيما يتعلق بسوريا فقسمها المشروع الى دويلة علوية موجودة على إمتداد الساحل، ودويلة الدروز التي تمتد أجزاء منها الى لبنان، ودويلة سنية في دمشق وحلب، بينما الأردن يتم تسليمها للفلسطينيين، تمهيداً لضم فلسطين كاملة لإسرائيل، وتهجير أهلها للأردن، بينما كانت الطامة الكبرى أيضاً في مشروع برنارد لويس متمثلة في تفكيك العراق فدويلة كردية في الشمال، وأخري سنية وسط العراق وبغداد، وشيعية في البصرة وكل مدن الجنوب، ثم تفكيك دول شمال أفريقيا الى دويلات للبربر والبوليساريو.
فهل نجح الكيان الصهيوني في تنفيذ مشروع برنارد لويس؟.
المؤكد أنه تم تحقيق بعض بنوده على أرض الواقع، فالسودان مقسمة الى شمال مسلم وجنوب مسيحي، بعد أن كانوا لا يعرفون لهذه النظرة سبيلاً، وها هي العراق وسوريا ولبنان تئن وتشتكي، وكلها دخلت مرحلة التقسيم الواقعي، وأفغانستان وباكستان ممزقة وقل فيهم ما تشاء، واليمن السعيد لم يعد سعيداً، بل يملؤه الشقاء والبؤس ويمضي في طريقه للتقسيم، والمحاولة مستمرة مع مصر، وليست بقية الدول بأسعد حظاً منهم.
هكذا بدأ مشروع برنارد لويس في التحقق والعرب والمسلمون نيام، يتحاربون على عرض زائل، وكراسي مهتزة، وينكرون أن من يُثبت ويقيم دعائم عروشهم هم شعوبهم وليس من يأتمرون بأمرهم ليهدموا بلادهم، ثم يتركونهم بعد ذلك، ولا يلقون لهم بالاً، وهكذا أيضاً تضافرت جهود العرب والمسلمون بتقاعسهم وغباءهم جميعاً على تحقيق مشروع برنارد لويس الخبيث، فقبل العرب إسرائيل كدولة وإعترفوا بها جميعاً، بل أصبحوا يخطبون ودها كبيرهم قبل صغيرهم، وهذا هو ما أراده لويس من مشروعه أن تكون إسرائيل فوق العرب بإذن وأموال العرب، فكيف نستطيع وقف تنفيذ كل ما أراده برنارد لويس من مشروعه، لن يكون ذلك إلا بعودة الإنتماء الى الأوطان، والتشبث بجذورنا، وهذا لن يكون إلا بتطبيق كل أسس الديمقراطية أو لنقل لنريح أنفسنا بإتباع تعاليمنا الإسلامية حتى ننهض من كبوتنا، ونستعيد مجدنا الغابر كأمة سادت الدنيا بأثرها، فأفيقوا أيها النائمون.
Discussion about this post