أَنْ تعشَقي عراقياً
………… …. ….
أَنْ تعشَقي عراقياً…
يعني أن تتعلّمي كيفَ يُربّى العنادُ
مثلَ طيرٍ جريحٍ،
وتُسقى الرّغبةُ من كفٍّ ترتجفُ
وهي تُكذبُ على دمها كي لا يذبل.
أَنْ تتبعي أثرَهُ بلا خرائطَ ومصابيح
أَنْ يتغيّر جلدُكِ كلّما نطقَ باسمِكِ
وهو يوقظُ فيكِ حديقةً،
لا تحتاجُ فصولاً، ولا يدخلها أحدٌ سواه.
أَنْ تصعدي إلى جنونهِ،
وتنقشي على الغيمِ: الأنبياءُ تأخّروا كثيراً
فأحببتُ رجلاً،
شقَّ اسمهُ من الطّين
وما زالَ يراوغُ في كلِّ لحظةٍ ارتعاشه،
كي لا تلتقطه العيون.
أَنْ تدخليهِ كما يدخلُ الحلمُ المحرّمُ
وتنسينَ نفسَكِ، مثلما تُنسى الخطيئة ُ
بعد نشوةٍ كاملة.
أَنْ تخاطري بنبضِكِ، كأنّكِ تمشين على بركان
وتعبرين ليلَكِ بشمعةٍ لا تجزع، وحِنّاء تحترق،
أَنْ تعتادي على دمعتهِ السّريعة، وضحكتهِ الباطشة
وصوتهِ في أقصى انكسارهِ: أنا بخير،
بينما العالمُ ينزفُ من فرائصهِ وعينيهِ.
أَنْ تعاشري رائحة الحروبِ كي تُميّزي عطرَهُ
وتكتبي رسائلَ حبٍّ بحبرِ القلب
تعلّقيها على شبابيك الوقتِ
لعلَّ حروفكِ تصلهُ قبل الحربِ القادمة!.
هو رجلٌ من رمادِ الأعيادِ،
يدخلُ قلبَكِ، كما دخلَ الطّوفانُ أسوارَ بابل
فلا يترك لك سوى لوحٍ مخرومٍ
يؤرّخُ نبوءةَ الغرق.
أَنْ تعشَقي عراقيّاً…
يعني أن تتنفّسي الحنينَ، حتى آخرِ أزَمَةٍ
من عافيةِ السّماء،
أَنْ تدركي أنَّ الفوضى نوعٌ من قداستهِ
وأنَّ التّمزّقَ ليس عيباً في الرّوح
بل إشارةً على أن الأرضَ ما زالت تُفكّر،
أن تصيري جزءاً من فوضاه،
من يقظتِهِ الحادّةِ
من تلك النّار الصّغيرة في قفصهِ الصّدري
يشعلها كي لا ينسى
أنّهُ ما زال واقفاً ويقاوم.
ستكتشفينَ مبكراً أنّهُ رجلٌ لا يُطوَّقُ
يدخلُ قلبَكِ، كما يدخلُ القطبُ الوليُّ الحكمةَ
مضرّجاً وغير نادمٍ.
يأتيكِ وعلى كتفيهِ تاريخٌ ثقيلٌ
كمن يحملُ طفلاً خائفاً لا يعرف أن ينام،
يُخفي هزائمَهُ تحت قميصهِ
مثل فواتيرَ باهظة، لا يريد لأحدٍ أن يراها.
وحين يحدّقُ فيكِ،
تشعرين بأنَّ الكونَ يرفعُ رأسَهُ
ليقرأَ ما حدث.
وكأيِّ محاربٍ من أوروك
يحسبُ الخطواتِ الّتي تقتربُ منكِ
لأنّهُ يعرفُ جيّداً، أنّ العالمَ أقلُّ لطفاً
ممّا تتخيّلين.
هو الشّريدُ الّذي لا يعرفُ النّومَ
إلّا على شرايينكِ الفائرة
يمسحُ على خصرِكِ ويغنّي،
كنهرٍ خائفٍ من الجفاف
ينزلُ ببطءٍ إلى شفتيكِ
كمن يُنَزِلُ تابوتاً مليئاً بالرّغبةِ
حتّى تَجأري باسمهِ
وأنت تعيدين بصوتكِ المتهدّجِ
بناء الجنائنِ المعلّقة.
وقبل أن يُعري الكلامَ
باحثاً عن مجازاتٍ تليقُ بجراحهِ
يفتحُ قميصَكِ، ليتذوّقَ موسيقى نبضكِ المرتبك.
يسألُكِ، أن تتركي نهديكِ له،
قنبلتينِ وديعتين، وينتظرُ انفجارَهما
بهدوءٍ صاخبٍ،
ثمّ يبكي في حضنكٍ طويلاً
مثل طفلٍ من بلادٍ بلا أمّهات.
أَنْ تعشَقي عراقيُاً…
عليكِ أن تفهمي، أنّ غَيرتهُ
هي طريقة روحهِ في قياسِ المسافةِ
بينه وبين الخسارةِ
هو يعلمُ جيُداً، أنّ العالمَ ليس مهذباً بما يكفي،
وأنّ اليدَ الّتي تمسكُ كتفكِ صدفةً
جرحٌ من الصّعبِ شفاؤهُ.
غيرتُهُ صلاةٌ، وهواجسهُ وحيٌ يوحى،
وعليكِ أن تفهمي أيضاً
أنّ الّذي نهضَ من الرّماد
لن يقف متفرّجاً على نسمةٍ تلامسُ وجهَكِ
دون أن يسأل: لماذا اقتربتِ منها كثيراً.
يغارُ من فستانكِ، من أختكِ،
من عطرِكِ، يشتمُّ فيه خطوةً غامضة
من نافذةِ جارتِكِ،
من كتابٍ في حقيبتِكِ يحوي رجلاً
يتنفُسُ بين السّطور.
هو لا يعترفُ بذلك، لكنّهُ يفكّرُ دائماً، بمن كنتِ تبتسمينَ له
في خيالكِ
وحين تسألينهُ: هل أنا حلمُكَ؟
يقول لك: لا.. طبعاً،
أنتِ ارتباكي قبل أن أنام.
يحرسُكِ كما يحرسُ قربَةَ ماءٍ،
في مدينةٍ عطشى.
أَنْ تعشَقي عراقيّاً…
يعني أن تؤمني بذلك الخلل الجميل
في عواطفهِ،
وهو يقفُ كآخرِ نخلةٍ خرجت من مذبحةٍ بجذعٍ مثقوب.
يضحكُ كأنّه يستَردُّ حقّاً سُرقَ منه
ويغضبُ كمن يدافعُ عن ما بقيَّ من صوته
في هذا الكون.
هو لا يَعِدكِ بشيء،
لكنّهُ يمنحُكِ كلَّ شيء
يأخذكِ إلى جهّاتٍ تخشاها الكثيرات
لتَري كيف يولدُ الحريرُ من جناحٍ مكسور.
أَنْ تعشَقي عراقيّاً…
يعني أن تتقني فنَّ التّرقّبِ
تنصتي إلى دمهِ المتوّجِ بالصّهيل
وتقولي له في سِرِّكِ:
يا رجلٌ لا يشبه إلّا احتمالاته
خذ قليلاً من روحي
واترك لي عاصفةً من عينيك.
هو لا يسألُكِ: أين كنتِ،
وماذا فعلتِ؟
بل يسألُكِ: هل كنتِ بخير؟
وكأنّكِ آخرُ القصائد الّتي لم يحرقها المغول.
وإن قال: (أحبّك موت) فلا ترتعبي
الموتُ في شفاهيّاتِ العراقيين هنا
هو أعذبُ مرادفٍ للنّجاة!!!.
ثامر سعيد/ العراق





































