رَمَادٌ يَزْهَرُ
لَمّا اِنْسَحَبْتَ مِنْ دَمِي،
تَغَيَّرَ مِقْياسُ الرُّوحِ،
وَصِرْتُ أُصْغِي لِخُطُواتِي
كَأَنَّها تَتَعَلَّمُ
أَوَّلَ دَرْسٍ
فِي الوَحْدَةِ.
لَمْ أَعُدْ أَسْأَلُ الظِّلَّ
عَنْ هَيْئَتِكَ،
وَلَا أَسْتَدْعِي صَوْتَكَ
إِذَا جَرَحَ اللَّيْلُ
أَطْرَافَ نَافِذَتِي،
فَقَدْ تَعَلَّمْتُ
أَنَّ الغَائِبَ الَّذِي لَا يَعُودُ
هُوَ الَّذِي يَقْتُلُنَا
مَرَّةً وَاحِدَةً
ثُمَّ يَرْحَلُ
بِدُونِ أَنْ يَلْتَفِتَ لِوَجَعِ الضَّحَايَا.
كُنْتَ مِثْلَ رِيحٍ بَلِيدَةٍ،
تَمُرُّ عَلَى الأَغْصَانِ
فَلَا تَتْرُكُ إِلَّا شَعْرَةَ خَوْفٍ،
وَأَثَرَ اِنْكِسَارٍ،
وَحُلْمًا يَتَيَتَّمُ
عَلَى أَطْرَافِ لَيْلِي.
تَعَلَّمْتُ مِنْكَ
أَنَّ الحُبَّ الَّذِي يَلْبَسُ
أَلْفَ لَوْنٍ
هُوَ أَكْثَرُ الأَلْوَانِ
سَوَادًا،
وَأَنَّ القَلْبَ الَّذِي يَسْتَسْلِمُ
لِوَعْدٍ مُنْكَسِرٍ،
يَخْسَرُ نِصْفَ قُدْرَتِهِ
عَلَى النَّبْضِ.
وَمَعَ ذٰلِكَ—
وَرَغْمَ كُلِّ مَا اِنْكَسَرَ—
أَعْرِفُ أَنَّ فِي دَمِي
عَصَافِيرَ
لَا تَقْبَلُ أَنْ تَمُوتَ،
تَنْفُضُ الرَّمَادَ عَنْ أَجْنِحَتِهَا
وَتَصْعَدُ،
كَأَنَّهَا تُغَنِّي
لِجُرْحٍ طَالَ،
وَلِقَلْبٍ يَحْفَظُ نَفْسَهُ
مِنَ الاِنْطِفَاءِ.
أَمْشِي الآنَ
بِقَلْبٍ أَضْحَى أَقْوَى،
أَعُدُّ خُطُواتِي
لَا خَسَارَاتِي،
وَأُرَمِّمُ مَا بَقِيَ مِنِّي
بِلُغَةٍ هَادِئَةٍ
تُشْبِهُ صَبْرَ النِّسَاءِ
إِذَا خَانَهُنَّ كُلُّ شَيْءٍ
إِلَّا أَنْفُسُهُنَّ.
وَلَسْتُ أَأْسَفُ—
فَقَدْ عَرَفْتُ أَنَّ مَنْ يَظُنُّ
أَنَّ امْرَأَةً تُكْسَرُ
مَرَّتَيْنِ،
لَمْ يَعْرِفْ
أَنَّ الرَّمَادَ أَيْضًا
يَسْتَطِيعُ
أَنْ يُزْهِرَ
إِذَا لَمَسَتْهُ
نَارُ الحَقِيقَةِ.
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































