آيُ مسك الختام في صحب سيّد الأنام ﷺ رضى الله عنهم
مقدّمة
الجزء الأوّل
الحمد لله ربّ العالمين الّذي ابتعث محمدًا ﷺ هاديًا وبشيرًا ، وقيَّض له صحبًا ليكونوا للطّريق مصباحًا منيرًا ، وجعلهم للهدى أئمّةً وللسّالكين منهاجًا ودليلًا .
وأصلّي وأسلّم على لبنة التّمام ، ومسك الختام وسيّد الأنام ، البشير النّذير والسّراج المنير، صاحب المقام المحمود والحوض المورود حامل لواء الحمد يوم القيامة ، النّبيّ الأميّ الأمين ، وعلى الآل والصّحب الكرام الأطهار الطّيبين الأبرار ، وعلى التّابعين من بعدهم ، وعلى كلّ من اقتفى أثرهم ، وسلك دربهم إلى يوم الدّين . أما بعد :
فإنّي رضيت عليّا للهدى علمًا كما رضيت عتيقًا صاحب الغار
وقد رضيت أبا حفصٍ وشيعته ولم أرض بقتل الشّيخ في الدّار
كلّ الصّحابة عندي قدوةٌ علمٌ فهل عليّ بهذا القول من عار
إن كنت تعلم أنّي لا أحبّهم إلّا لوجهك فاعتقنا غدًا من النّار
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ الأحزاب 56
يقول ربّنا جلّ في علاه : ( وربّك يخلق ما يشاء ويختار ) سبحانه اقتضت حكمته تكريم بني آدم وتفضيلهم على سائر خلقه قال تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا ) الإسراء:70 ، ثمّ اصطفى من بني آدم الرّسل ، واصطفى من الرّسل أولي العزم ، واصطفى من أولي العزم محمدًا ﷺ ليكون سيّد الأولين والآخرين ، ثمّ اصطفى له أصحابه رضوان الله عليهم أجمعين .
قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( إن الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمدٍ ﷺ خير قلوب العباد ، فاصطفاه لنفسه فابتعثه برسالته ، ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمدٍ ، فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء نبيه يقاتلون على دينه ، فما رأوه حسنًا فهو عند الله حسن وما رأوه سيئاً فهو عند الله سيئ ) . وكيف لا وهو الرّ١أي الصّادر من قلوبٍ امتلأت نورًا إيمانًا ، حكمًة وعلمًا ، معرفًة ًوفهمًا عن الله ورسوله نصحًا للأمة ، وقلوبهم تنبض على نبض قلب نبيهم ﷺ. كانوا أزهد منّا في الدّنيا ، وأرغب منّا في الآخرة .
قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : ( من كان مستنًّا فليستن بمن قد مات ، أولئك أصحاب محمدٍ ﷺ كانوا خير هذه الأمّة ، أبرّها قلوبًا ، وأعمقها علمًا، وأقلّها تكلّفًا، قوم اختارهم الله لصحبة نبيّه ونقل دينه، فتشبّهوا بأخلاقهم وطرائقهم ، فإنّهم كانوا على الهدى المستقيم ورب الكعبة ) .
قال ابنُ كثيرٍ – رحمه الله معلّقا على قول الله تعالى -: [وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ] التّوبة .
أخبَرَاللهُ العَظيمُ أنَّه قَد رَضِيَ عنِ السَّابِقينَ الأوَّلينَ مِنَ المُهاجِرينَ والأنصارِ والَّذينَ اتَّبَعوهم بإحسانٍ فيا وَيلَ مَن أبغَضَهُم أو سَبَّهم أو أبغَضَ أو سَبَّ بَعضَهُم .
تلك هي صفات أصحاب محمدٍ ﷺ ، وهذه منزلتهم وتلك سيرتهم معين لا ينضب ، ونهر عذب يروي ظمأ النّفوس ، ويخطف العقول ويطرب الأسماع ويرفع الهمم، فتقوى العزائم وتنهض الأمة من سباتها، وتقيل عثراتها فهي خير أمّةٍ أخرجت للنّاس .
فقد ورد أنّ مالك بن الصّيف، ووهب بن يهوذا اليهوديين قالا لابن مسعود ، وأبيّ بن كعب ، ومعاذ بن جبل ، وسالم مولى أبي حذيفة : إنّ ديننا خير ممّا تدعوننا إليه ، ونحن خير وأفضل منكم ، فأنزل الله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ) .
آل عمران 110
إن في سيرة هؤلاء الصّالحين نعيم الأمّة ، بسيرتهم تسمو قلوب العباد وترتفع الهامات ، ومتى اتّصلت دروبنا بدروبهم عادت أمّة خيرالأنام لسالف عزّها وسابق مجدها .
رحماك ربّنا بأمة نبيّك سيّد ولد آدم ، بيده لواء الحمد يوم القيامة، وأصحابه هم شموس الهدى والأنوار إلى قيام السّاعة.
ولنعلم أنّه لا ملجأ ولا منجى من الله إلّا إليه، ولا نجاة للأمة إلّا بالسّير على نهج هؤلاء السّابقين الأولين والصّحب الكرام والاقتداء بهم .
فمتى تكونون على منهج أوّلكم وتصبرون عن هوى الدّنيا كما صبروا ؟ .
لهذا ولغيره – من الأسباب – شرعت في تقديم هذا العمل راجيًّا من الله العليّ القدير أن يخدم المسلمين أجمعين .
آملا التّوفيق والسّداد وحسن الثّواب من الله عز وجل ، ولعل الله أن ينفعنا به والمسلمين في الدّنيا والآخرة ويشتمل هذا العمل على بعض الآيات الّتي نزلت في هؤلاء الصّحب الكرام ، ومناسبة نزول كلّ آية ، وكذا جمعت بعضًا من أقوال النّبيّ ﷺ في هؤلاء الصّحب الطّيبين الأبرار، وجانبا من سيرتهم والّتي تحفظ لنا ولهم منزلتهم ومكانتهم الّتي تعلو نجوم السّماء ، ليكونوا أسوةً لمن أراد النّجاة ، عملاً بقوله ﷺ : ( عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الرّاشدين من بعدي عضوا عليها بالنّواجذ ) وقول الله تعالى : ( ولتكن منكم أمّة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون) .
والله من وراء القصد والهادي إلى سواء السّبيل .
جمعه ورتبه الفقير إلى مولاه :
أبوالندى / محمود فوزي الموجي






































