يا غَريبَ الدَّرْبِ،
يا مَن أضَعْتَ مَلامِحَكَ بَيْنَ الأيَّامِ،
ما زِلْتُ أراكَ
تَقِفُ عِندَ نافِذَةِ القَلْبِ
تَسْتَجْدِي ضَوْءًَا
لَم يَعُدْ يُضِيءُ لأحَدْ.
كَم حاوَلْتَ أنْ تَسْتَعِيدَ
شَجَراتِ العِطْرِ
الَّتي كانَتْ تَكْبُرُ في يَدَيْكَ،
لٰكِنَّ الرِّيحَ
مَسَحَتْ أسْماءَها
ومَضَتْ،
وما عادَتْ تَعْرِفُ
طَريقَكَ.
يا مَن صارَ الشَّوْقُ فيكَ
قِطارَ لَيْلٍ مُتْعَبٍ،
يَمْضِي
ولا يَجِدُ مَحَطَّةً
تُصالِحُهُ،
كَيْفَ تُرِيدُ لِلْقَلْبِ
أنْ يُزْهِرَ
وماؤُهُ صارَ
مِلْحَ غِيابٍ؟
الحَبيبُ
مَدَّ ظِلَّهُ لِحَدائِقَ أُخْرَى،
تَرَكَكَ واقِفًا
على حافَّةِ الأسْئِلَةِ،
تَعُدُّ خُطاهُ
وتَنْسَى أنْ تَعُدَّ
خُطاكا.
يا حَسْرَةَ اللَّيالي
الَّتي مَرَّتْ عَلَيْكَ
وأنتَ تُصادِقُ الصَّمْتَ،
وتَنْحَني كَشَجَرَةٍ
نَسِيَ الرَّبيعُ
أنْ يَمُرَّ بِها.
تَقولُ
إنَّكَ تَخْشى الكلامَ،
تَخْشى أنْ تَفْضَحَكَ عَيْنُكَ
فَتَقولَ ما لا يَجْرُؤُ صَوْتُكَ
أنْ يَرْوِيَهُ،
وتَخْشى أنْ تَسألَ عنِّي
فَيَنْكَشِفَ الوَجَعُ
الَّذي تُخَبِّئُهُ
خَلْفَ وُجوهِ الأيَّامِ.
يا غَريبَ بابي،
طَرَقْتَهُ
ولَمْ تَدْرِ
أنَّهُ مُنْذُ رَحيلِكَ
لا يَسْكُنُهُ
إلَّا الصَّدَى…
وأنَّ الصَّدَى
لا يُجِيبُ.
وها أنْتَ الآنَ،
تَمْضِي كَمَنْ يَحْمِلُ لَيْلًا
أثْقَلَ مِن خُطاهُ،
تَبْحَثُ عن نافِذَةٍ
تُخَبِّئُ فيها
بَقايَا ضَوْئِكَ المُتْعَبِ،
وعَنْ يَدٍ
تَمْسَحُ ما تَرَكَتْهُ
العُزْلَةُ
على أطْرافِ رُوحِكَ.
تَمْشِي،
وكَأنَّ الأرْضَ
تَسألُكَ: أَيْنَ كُنْتَ،
وأَيْنَ تُرِيدُ أنْ تَكونَ؟
لٰكِنَّكَ لا تَعْرِفُ
سِوَى أنَّ الحَنينَ
يَقودُكَ إلى أبْوابٍ
لَم تَعُدْ
تَفْتَحُ لِأحَد.
كُلُّ ما فيكَ
يُرِيدُ أنْ يَصْرُخَ:
لَو أنَّ الغِيابَ
يُدْرِكُ ما صَنَعَهُ بِي،
لَرَجَعَ يَطْلُبُ الغُفْرانَ…
لٰكِنَّهُ غِيابٌ
لا يَفْهَمُ
إلَّا الطَّيْشَ
والانْكِسارَ.
وَأَدْرِكْ،
أَنَّ الطُّرُقَ الَّتِي غادَرْتَنِي فِيها
لَنْ تَعُودَ كَمَا كانَتْ،
وَأَنَّ قَلْبِي
لَوِ اسْتَدارَ لِيُلاقِيكَ
سَيَعْرِفُكَ غَرِيبًا…
غَرِيبًا كَمَا جِئْتَ،
وَكَمَا رَحَلْتَ،
وَكَمَا ظَلِلْتَ
تَغْفُلُ أَنَّ الأَبْوابَ
لا تَنْتَظِرُ طَارِقًا
تَأَخَّرَ
عَنِ الحُبِّ
كُلَّ هٰذَا العُمْرِ.
بقلم الشاعر
مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































