الدَّردَشَـةُ المَسَـائِيَّـةُ
31
1
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّـاكِنُ فِيَّ
قُلتَ لي مِرَارًا _
إِنَّكَ تُحِبُّ الطَّرِيقَ إلى بَيتِهَـا
أَكثَرَ مِمَّـا تُحِبُّ الوُصُولَ
وَقُلتَ _
إِنَّ زَيتُونَـةً تُسنِدُ خَـاصِرَةَ البَيتْ
لَنُورٌ وَزَيتْ
يَمسَـحُ الجَبِينَ
وَإِنَّ سُلَحفَـاةٍ تَرُوحُ وَتَجِيءُ
في حَديقَـةٍ صَغِيرَةٍ
تُلَملِـمُ ذِكرَيَـاتِ عَـابِرِينَ
صَـادِقَـةً تَشِي بِأَخبَارِ مَنْ يَجِيئُونَ
وَبِهِـمْ شَوقٌ وَلَهفَـةٌ
وَقُلتَ _
( من أَينَ لكَ أن تَعرِفَ )
إنَّهُـمْ يَقصِدَونَ
مَنبَعَ الحُبِّ والجَمَالِ
في امرَأَةٍ سَيِّدَةٍ
يَمسَـحُ المَـاءُ نَـوافِذَ ضَوئِهَـا
يَسقِي عَطَشَ وُرَيدَاتٍ مُتَأَهِّبَـاتٍ
إحتِفَـاءً بِطَلَّتِهَـا كُـلَّ آنٍ
وَقُلتَ _
إِنَّ مَنْ يَـأتِي يَترُكُ وَشمًـا
على جَرَسٍ يُقرَعُ بِـالإصبَعِ
سُبحَـانَ تلكَ اليَدُ تُسَلِّـمُ
تَرجُو يَدَهَـا سـَرِيرًا
وَعَينَيهَـا وِعَـاءَيْ حَنَـانْ
وَقُلتَ _
إِنَّمَـا أَنتَ جِئتَ
لِتَقطِفَ مَواسِـمَ حُبٍّ
على عَجَلٍ
وِبِكَ شَوقٌ وَأَطيَـافُ وَجَلٍ
كَأَنَّ إيرُوسَ يَسكُنُ بَيتَهَـا وَالقَلبَ
وَسَرِيرًا لا يَشتَاقُ هَمِيـمَ نُعَـاسٍ
في سِرِّكَ تَقُولُ _
مَـاذَا لَـو مَـاتَ الحُبُّ ؟
مَـاذَا لَـو مُتُّ دُونَ قِطَافِ قُبلَـةٍ
تُشعِلُ غَـابـاتِ الوَجدِ
تَجعَلُ كَثِيرَنَـا في وَاحِدٍ ؟
وَقُلتَ _
( يَـا كَثِيرَ القَولِ )
مَـاذَا لَـو بَعدَ حِينٍ
هٰذَا الحُبُّ الكَبِيرُ الكَثِيرُ
صَـارَ أَقَلَّ مِن قَلِيلٍ
على عَتَبَـةِ دَارِهَـا ؟
هَل فَكَّرتَ بِـأَنَّ بُكَـاءً
سَوف يُعمِي عَينَيكَ
وَأَنَّ الدَّمـعَ غَـالٍ عِندَ الرَّحيلِ ؟
قُلتَ _
أَعرِفُ تُحِبُّهَـا
أَعرِفُ تُحِبُّكَ
لَكِنَّ حُزنًـا كَبِيرًا سَوفَ يَلُفُّـكَ
بَينَ شَهِيقٍ وَزَفِيرٍ
وَأَنَّ صَمتَكَ سَوفَ يَبكِي أَكثَرَ
أَكثَرَ مِمَّـا كُنتَ عَلَيـهِ
زَمَنَ شَوقٍ وَاشتِيَـاقٍ
لَا تَخَفْ _
إِنَّ الصَّمتَ الذي يَخنُقُـكَ الآنَ
سَوفَ يَصحُو إنْ صَحَوتَ
فَلا تَنَـمْ عَلَى صَمتِـكَ
وَلا تَدَعْـهُ يَنَـامْ
حَرِّكِ الصَّمتَ تَرَ العَـالَـمَ قُربَـكَ
وَتَـرَ مَـا لا يُـرَى
في لَهفَـةِ صَبَـاحٍ
وَأُغنِيَـةِ مَسَـاءْ
2
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّـاكِنُ فِيَّ
مُـرَّ الآنَ
أَسمَـعُ من بَعِيدٍ صَدَى خُطَاكَ
وَأَعجَبُ مِمَّـا يُحكَى عَنَّـا
في الليـالي المِـلَاحِ
وَأَرقُبُ الآتـي يَـأتِـي
أَسخَرُ من غُودُو
كَـم كَـانَ غَبِيًّـا حينَ انتَظَـرَ
” الذي يَـأتِـي وَلا يَِـأتِـي “
لَـم يَكُنْ في حَـالٍ
على قَدْرِ المَقَـامْ
لَـم يَستَوعِبْ أَنَّ الحُبَّ
كالسّـارِقِ يَـأتِـي حِينَ لا تَشَـاءْ
لا يَطرُقُ بَـابًـا
ولا يَرجُو طَلَبَ استِئذَانْ
3
غُودُو !
مُنذُ أَحبَبتُ أَنَـا
أَحسَسْتُ أنَّ امرَأَةً فِيَّ
أَنِّيَ فِيهَـا
كَمَـا العِطـرُ يَسكُنُ وَردَةً
لا يَرجُوهَـا سَفَـرًا
وَلا جَوَازَ مَجِيءٍ
لا تــأسَفُ الوَردَةُ
إن هَجَرَهَـا بَعضُ عٍطرِهَـا
كُلُّهَـا العِطـرُ
وَالعِطـرُ يَبتَكِـرُ شَـذَاهُ
إِن أَخطَـأَ ليسَ بِحَاجَـةٍ
إِلى كُرسِيِّ اعتِرَافٍ
يَبُوحُ وَلا يَحكِي
يَتَأَبَّطُ أَنفَـاسَنَـا يَسرِي
في الشَّرَايِينِ وَيَجرِي
كَمَـا المَـاءُ دَمـعُ الأَرضِ
تَلتَهِمُـهُ الجُذُورُ
تَـأمَـلُ بِـأَغصَـانٍ تَنمُو
ثَوبُهَـا أَخضَرُ
وَالبَرَاعِـمُ دُعَـاءٌ في سَفَـرٍ
بينَ عَينَيهَـا وَعَينَيَّ
نَشتَهِـي الآتِـي وَنَعـرقْ
نُحِبُّ كَمَـا لَم يُحِبَّ أَحَدٌ
وَنَغـرَقْ ..
يَـا طِيبَ الغَرَقْ
في بِئرِ نَـارٍ
عِندَمَـا امرَأَةٌ تَمنَحُكَ العَـافِيَـهْ
نَـارٌ حِينئِذٍ لا تَخَافُ النَّـارَ
4
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّـاكِنُ فِيَّ
أَحسَنتَ حِينَ عَلَّمتَنِـي
أَنَّ حُبَّهَـا ابتَكَـرَ حُبِّـي
أَنَّهَـا ذَاكَ الضَّوءُ ارتَمَـى
في عَينَـيَّ
في قَلبِـي
وَكادَ يَغِيبُ عن نَـاظِـرَيَّ
لِـمْ شَـلَّالُ شَعرِهَـا
تَجَـاوَزَ الصَّخرَ أَنقَذَنِـي
تَجَـاوَزَنِـي وَانهَمَـرْ
نِثَـارُهُ أَعَـادَتْ إِلى عَينَـيَّ
نِعمَـةَ البَصِيرَةِ والبَصَرْ
لاحَ للقَلبِ فَجرٌ وَانتَشَرْ
عَبَرتُ النَّهـرَ دُونَ خَوفٍ
يُبَعثِرُنِي حَصًى
مَـا هَمُّـهُ الحَصَى إِنْ شَكَوتُ
أَو بَكَيتُ
فِي الحُبِّ سَعَـادةٌ وَبُكَـاءٌ
وَنِصفُ مَوتٍ
إِيَّـاكَ أَن تَقُولَ _
ارتَوَيتُ أَوِ انتَهَيتُ
أَنتَ فِي الحُبِّ سِيَّـانِ
بينَ لا ارتِـوَاءٍ وَلا انتِهَـاءٍ
أَلوَردُ دَائِمًـا عَطشَـانْ ..
ميشـال سـعَـادة
2025 /مَسَاء الثُّلاثَـاء 12/2






































