المدينة الباسمة
في إحدى الممالك الأسطوريّة القديمة؛ العرف كان عدم سجن النِّساء المخترقات للقانون، بل نفيهنّ إلى إحدى القرى النَّائية للعمل، وتعلُّم الالتزام.
صارت القرية النَّائية بعد قرون عديدة مدينة ينعم أهلها بالسِّلم والهناء، صحيح أنهن يمضين وقت عقوبة، ولكن تعلّمهنّ الأمُّ العظمى الالتزام بالعمل، والتَّعاليم الدِّينية؛ يخرجن بعدها صالحات.
ليس في المدينة رجال ،إنما نساء منتظرات.
تحوَّلت القرية المهجورة إلى مروج خضراء؛ يرعى فيها أفضل أنواع الأبقار والأغنام، زهور ورياحين متنوّعة، نسيم عليل؛ هناء وسعادة
كلّ صباح ،الألبان الطّازجة ومشتقاتها تُورَّد للمملكة .
مصانع منزلية للحبوب والغلال، أنواع العصائر الطَّبيعية ومشتقاتها تُصنَّع يدويًّا؛ لينعم أهل المملكة بأفضل أنواع الطَّعام.
يحرس المدينة جيش كبير من المملكة حتَّى لا يدخلها غريب.
في غفلة منهم تسلَّل أحد الكائنات إلى داخل المدينة الباسمة شكله يُوحي أنَّه ذكر؛ فوجئن به في أحد الصَّباحات؛ اختبأ منهن بعد عدة ملاحقات للقبض عليه وطرده؛ نظَّم خطته حتَّى يمتلك ويسيطر.
بفنِّ الحيلة والتَّلوّن وسرعة التَّشكل الّذي يتقنه استطاع العيش بينهن دون علم الأمّ العظمى؛ يقنع هذه بالحبِّ، والأخرى بالمساعدة في حمل الأثقال، يدخل للثَّالثة من الشُّعور بالظِّلم، الرَّابعة ….. العاشرة …… ، وهكذا صارت النِّساء جميعهنَّ خادمات له يُخبئنه، يُطعمنه، ويسعدنه.
كلُّ واحدة تُجاهدُ لتفوز بقلبه، فيتنافسن لنيلِ حظوة منه
غدت كلٌّ منهنَّ تَكيد للأخرى، تُؤذي صاحبتها.
تغيّرتِ المدينة، وما عاد للابتسام موضع فيها؛ تحوَّلت إلى حلبة صراع، الكلُّ خائن، الكلُّ مخادع، الكلُّ منافق، الكلُّ كاذب
هواء المدينة صار مشحونًا بدخان المؤامرات والكره، جلسات السَّمر اللَّيلية والحكايات المسلية مع أشهى أنواع الحلوى اختفت؛ تنصَّلت منها الواحدة تلو الأخرى، لوَّث الصِّراع المدينة الباسمة لالطُّهر والنَّقاء.
فطِنت الأمُّ العظمى للأمر؛ علمت أنَّ هناك دخيل بينهن، شيطان لبس زيَّ الرِّجال.
جمعت كلَّ من كان بالمدينة في حفل أسطوريّ؛ اعلنت عن مفاجأة كبرى؛ أوّل زيجة في المدينة الباسمة.
أخرجت الدَّخيل وقالت بحيلة ومكر: اختر!!!!
كانت كلٌّ منهن تظنُّ أنّها المختارة، ولكن في لحظة خُبث منه اختار الأمَّ العظمى.
ضحكت عليه؛ كشفت أمره بينهن هو لا يحبُّ أيًّا منهن، يلعب بهن؛ لينعم برغد العيش والهناء.
قالت له: الأمّ العظمى لا تتزوَّج.
فلتتقدَّم أحدكن للزَّواج منه؛ فلم تتقدم أيّ منهن فقد انكشف أمره، علمن بمكائده، فسقط من أعينهن.
قالت الأمُّ العظمى: الحلُّ الأخير في أيديكن؛ أمّا الزَّواج، أو الحكم عليه؛ دون أدنى تفكير بدأوا؛ برجمه بحجارة المدينة حتَّى الممات.
عادت إليهنّ البسمة، فهدوء العيش والهناء، غرَّدت العصافير، تفتَّحت الزُّهور، سال العسل على الأغصان، هفّ عليهنّ النَّسيم العليل الخالي من الصِّراعات.
الكاتبة الصَّحفية/ دعاء محمود
مصر
دعاءقلب






































