حظيرةُ النزاهةِ ودفترُ الهدايا..
كتب أشرف كمال :
في مكتبِ البناءِ المخالفِ، جلسَ المسؤولُ الفالح،
يُقلبُ أوراقَ المعاملاتِ كما يُقلبُ الراعي تبنَ مزارعهِ الصالح.
دخلَ مواطنٌ مُنهكٌ، يحملُ بيدهِ ملفًّا شاحباً كالريحِ البارح،
فقال بصوتٍ خافتٍ جارح:
“يا سيّدَ النزاهةِ… هل تُوقِّعُ لي تصريحاً واضحاً وصالح؟”
رفعَ المسؤولُ حاجبيهِ كأنهما قوسان يحميانِ سرّاً فاضحاً،
وقالَ بنبرةِ العارفِ الناصح:
“يا بني… إنّ القوانينَ صارمةٌ، والأنظمةُ جامحةٌ جارحة،
لكنّ الهديّةَ الطيّبةَ تمسحُ ما كانَ قاسياً وفاضحاً.”
فقال المواطنُ: “هديةٌ؟ أقصدُ… مالاً؟”
فشهقَ المسؤولُ كأنّه سمعَ منكَراً فاضحاً:
“حاشايَ من الرشوةِ يا صاحِ! ذاكَ مالٌ ذابلٌ لا يُعاشَرُ ولا يُصالح.
أمّا الهديةُ… فهي سنّةُ الأوّلين،
بقرةٌ تُهديها، أو جاموسةٌ تُناديها،
فتنحلُّ العقدةُ، ويتفتّحُ الصباحُ الصالح.”
ثم أشارَ إلى لافتةٍ خلفه، مُزخرفةٍ بألوانٍ فاقعةٍ فاضحة:
“التوقيعُ ببقرةٍ… مستعجلٌ،
وبجاموسةٍ… مُيسَّرٌ،
وبحمارةٍ… يُنجزُ الملفُّ، ويُطوى الدفترُ الناجح.”
فأطرق المواطنُ رأسهُ كأنّه ينظرُ في هاويةٍ مالحة،
وقال: “وهل من شاهدٍ على هذا المنهج؟”
فابتسمَ المسؤولُ ابتسامةَ من اعتادَ على التبنِ والرائحة،
وقال: “يا بُني…
إنّ النبيَّ قبلَ الهديّة،
وأنا على سنّتهِ سائرٌ…
غيرَ أنّي أفضّلُ الهديّةَ الماشية لا المالَ الناشئة!”
وما إن همَّ المواطنُ بالخروجِ،
حتى دوّى في الممرِّ صوتُ حمارةٍ صارخةٍ ناطحة،
تدلُّ على أن معاملةً قد تمّت،
وأنّ دفترَ النزاهةِ قد امتلأ من جديدٍ
بـ قائمةٍ رائحة!






































