“غادرته… لأنّي اختنقتُ بعطرهِ الموجع”
عدتُ إلى الوطن…
لأشمَّ رائحته الجميلة الّتي كانت تُداوي الغياب،
لكنَّ أنفي خانني هذه المرّة،
فلم أشمّ عطر التّراب كما كنتُ أعرفه،
بل شممتُ شيئًا يشبه دمعةً تُذبح،
ورائحةَ وطنٍ يتنفّس من جُرحٍ مفتوح.
سرتُ في حدائقه الّتي كانت تضحك،
وفي غاباته الّتي كانت تنام على كتف الرّيح،
وفي بساتينه الّتي كانت تلد الورد كما تلد الأمّ أطفالها…
لكنّ الورد اليوم بلا رائحة،
وكأنّه يخجل من نفسه،
وكأنّ القطرات على أوراقه ليست ندى…
بل دموعٌ تبكي أولادها
الّذين قتلهم الغدرُ وادّعى البراءة.
هل أحسستم بهذا الموت على قيد الحياة؟
أن ترى وطنك ينزف أمامك
كشيخٍ عاجزٍ على سرير الألم،
وأنت واقفٌ بجانبه
لا تعرف ماذا تفعل
سوى أن تحبس دمعتك وتبتلع صوتك؟
الإحساسُ خانق،
والعجزُ يضحكُ عليك بسخريةٍ سوداء،
كأنّه يقول لك:
“تفضّلي… شاهدي ما يحدث،
ولا تفعلي شيئًا!”
الأرض تبكي أولادها،
الأشجار تبكي،
الهواء يبكي،
حتّى الحجارة تبكي من شدّة الصّمت.
وحدهُ الموت صار يتجوّل في الشّوارع
كما يتجوّل بائع متجوّل يصيح:
“هل من زبونٍ جديد؟”
عدتُ أدراجي…
أجرّ خلفي خيبات سنواتٍ عجاف
تتدلّى كأثقالٍ مربوطةٍ بأطراف ثوبي،
ورأسي مطأطأ
كمن يعترف بخسارة معركةٍ لم يدخلها أصلًا.
وتمنّيتُ—يا للهول—
تمنّيتُ لو أنّي لم أرَ…
لو أنّي لم أعد…
لو أنّ الوطن ظلّ حلمًا جميلاً
ولم يتحوّل إلى مرآةٍ
تعكس وجعي كلّه.فأنتَ يا وطني
أجملُ ما نحبّ،
وأوجعُ ما نرى،
وأصدقُ كذبةٍ نعيشها
ونتظاهرُ أنّها حياة. ماريه حنا






































