ما الذي سقط منّا نحن أيضًا، دون أن ننتبه؟
رؤية تحليليّة نقدية للنّاقد المبدع أحمد الناصر الحمدو لخاطرة الكاتبة الصَّحفية دعاء محمود سقط منِّي سهوًا
النَّص
سقط منِّي سهوًا
في غمار حياة متلاحقة، مكتظّة بأحداث كبيرة، عمرا مضى بحلوه ومرّه، أحلام قد تحقّقت، ومناصب رفيعة حصلت عليها.
في جلسة أحاديّة أكتوبرية، ذات نسيم بارد يُشعرني بالحنين، خاصّة في أوقات الشُّروق مع بداية يوم جديد.
شريط حياتي قد مرَّ أمامي بنجاحاته وإنجازاته، أحلامي الَّتي نحتُّ في الصَّخر أحققّها
إلا أنَّي وجدت أشياء كنت أظنُّها تافهة قد سقطت منِّي سهوًا.
لم أحتفظ ببعض ألعاب الطُّفولة المحبّبة إلى قلبي،
حديث طويل مع أمِّي الدَّائمة الانشغال بالمطبخ،
الخلود للنَّوم في حضن أبي الَّذي مات مبكرًا، الاحتفاظ ببعض أصدقاء المراهقة المخلصين، رحلات الأصدقاء المدرسيّة الَّتي كانت ترفضها أمِّي بشدّة، ولا إصرارٌ منّي .
الحبُّ الأوّل؛ أحاديثه الطَّويلة ليلا، الخروج معه خلسة دون علم أهلي، سيجارة من أحد الزُّملاء؛ كتجربة للخوض في الانحراف، التَّسكع في الشَّوارع الباردة ليلًا، الجلوس مع الصَّديقات في أحد المقاهي.
إهمال المذاكرة، والانشغال بتوافه الأمور؛ كالاهتمام بأظافري، أبحثُ دومًا عن لون جديد لطلائها، تضيع منّي ساعات ، وأنا أجرِّب ألوان حمرة الشِّفاه، أغيِّر لون عينيّ يوميًّا بالعدسات اللّاصقة ، وأعود لأكتفي بلونها الطَّبيعي الَّذي كان يعتقده النَّاس عدسات منتقاة بعناية، وكان اللَّون الأكثر روعةً والأجمل.
الاهتمام بصحّتي الجسديَّة والنَّفسية، نزهة ذات مرّة دون أولادي، التَّنصل من إحدى المسؤوليات وألقيها على عاتق زوجي، الحياة تعاون،
وقد تركني وحيدة كما أمَّي تماما؛ أواجه صراعات الحياة وحدي.
سقطت منِّي سهوًا ذكريات، أحداث أرويها لأولادي، أخبرهم أنَّي فعلتها قبلهم فلم اللَّف والدَّوران، اكتشفت مؤخّرًا بعد انقضاء عمري أنّ ذكرياتي في غاية الأهميّة، والتَّعقيد، لا يفهمها المراهقون، وإنَّما تحتاج إلى رجال أشدَّاء.
سقط منِّي سهوًا عمرًا كاملًا، وأحداثًا لطيفة كانت ستخفِّف وطأة ما كان.
الكاتبة الصَّحفية
دعاء محمود
دعاءقلب
١٧/ ١٠/ ٢٠٢٥
الرُّؤية التحليليّة
بقلم النَّاقد المبدع/ أحمد الناصر الحمدو
يا الله
كم في النص من وجعٍ جميلٍ يختبئ بين السطور!
كأنّ الكاتبة تسرد عمرًا كاملاً انساب من بين يديها كالماء، ولم تُدرك أنّ التفاصيل الصغيرة — لعبة طفولة، حضن أب، همسة حبٍّ عابرة — كانت هي جوهر الحياة لا زينتها.
نصّك يا دعاء ليس مجرّد حنين، بل اعتراف ناضج بأنّ ما سقط سهوًا لم يكن سهوًا أبداً، بل كان قلب العمر ذاته.
كلماتك تشبه امرأة تجلس أمام نافذة الغروب، تبتسم للذكريات وتبكيها في آنٍ واحد…
رقيقة، صادقة، تُشعلي في القارئ سؤالًا: ما الذي سقط منّا نحن أيضًا، دون أن ننتبه؟






































