قراءة تحليلية في نصّ سقط منِّي سهوًا للكاتبة دعاء محمود
سقط منِّي سهوًا
في غمار حياة متلاحقة، مكتظّة بأحداث كبيرة، عمرا مضى بحلوه ومرّه، أحلام قد تحقّقت، ومناصب رفيعة حصلت عليها.
في جلسة أحاديّة أكتوبرية، ذات نسيم بارد يُشعرني بالحنين، خاصّة في أوقات الشُّروق مع بداية يوم جديد.
شريط حياتي قد مرَّ أمامي بنجاحاته وإنجازاته، أحلامي الَّتي نحتُّ في الصَّخر أحققّها
إلا أنَّي وجدت أشياء كنت أظنُّها تافهة قد سقطت منِّي سهوًا.
لم أحتفظ ببعض ألعاب الطُّفولة المحبّبة إلى قلبي،
حديث طويل مع أمِّي الدَّائمة الانشغال بالمطبخ،
الخلود للنَّوم في حضن أبي الَّذي مات مبكرًا، الاحتفاظ ببعض أصدقاء المراهقة المخلصين، رحلات الأصدقاء المدرسيّة الَّتي كانت ترفضها أمِّي بشدّة، ولا إصرارٌ منّي .
الحبُّ الأوّل؛ أحاديثه الطَّويلة ليلا، الخروج معه خلسة دون علم أهلي، سيجارة من أحد الزُّملاء؛ كتجربة للخوض في الانحراف، التَّسكع في الشَّوارع الباردة ليلًا، الجلوس مع الصَّديقات في أحد المقاهي.
إهمال المذاكرة، والانشغال بتوافه الأمور؛ كالاهتمام بأظافري، أبحثُ دومًا عن لون جديد لطلائها، تضيع منّي ساعات ، وأنا أجرِّب ألوان حمرة الشِّفاه، أغيِّر لون عينيّ يوميًّا بالعدسات اللّاصقة ، وأعود لأكتفي بلونها الطَّبيعي الَّذي كان يعتقده النَّاس عدسات منتقاة بعناية، وكان اللَّون الأكثر روعةً والأجمل.
الاهتمام بصحّتي الجسديَّة والنَّفسية، نزهة ذات مرّة دون أولادي، التَّنصل من إحدى المسؤوليات وألقيها على عاتق زوجي، الحياة تعاون،
وقد تركني وحيدة كما أمَّي تماما؛ أواجه صراعات الحياة وحدي.
سقطت منِّي سهوًا ذكريات، أحداث أرويها لأولادي، أخبرهم أنَّي فعلتها قبلهم فلم اللَّف والدَّوران، اكتشفت مؤخّرًا بعد انقضاء عمري أنّ ذكرياتي في غاية الأهميّة، والتَّعقيد، لا يفهمها المراهقون، وإنَّما تحتاج إلى رجال أشدَّاء.
سقط منِّي سهوًا عمرًا كاملًا، وأحداثًا لطيفة كانت ستخفِّف وطأة ما كان.
الكاتبة الصَّحفية/ دعاء محمود
مصر
دعاءقلب
١٧/ ١٠/ ٢٠٢٥
سقط منّي سهوًا… تأملات في وجع التفاصيل المنسيّة
بقلم: عدنان مهدي الطائي
نص الكاتبة المصرية دعاء محمود بعنوان «سقط منّي سهوًا» يفتح باب الذاكرة على مصراعيه، في رحلة تأملية صادقة بين الماضي والحاضر. في لغة شفافة ومفعمة بالحنين، تستعرض الكاتبة ما سقط من حياتها “سهوًا” من تفاصيل صغيرة كانت في جوهرها أغلى من النجاحات الكبرى.
النصّ لا يقوم على حبكة أو حدث درامي، بل على تدفّق شعوري متصل يعيد ترتيب لحظات العمر من الطفولة حتى الشيخوخة، لتكتشف الساردة أن أكثر ما فقدته لم يكن الأشياء الكبيرة، بل الدفء الإنساني البسيط: حديث الأم، حضن الأب، صداقات الطفولة، الحب الأول، وحتى لحظة أنانية صغيرة كان يمكن أن تبهجها.
أسلوب الكاتبة يجمع بين الصدق والصفاء، فلا مبالغة ولا تصنّع، بل وجدان نقي يتحدث بلغة امرأة تصالحت متأخرة مع ذاتها. التتابع الزمني غير الخطي منح النص تماسكًا داخليًا، وجعل كل ذكرى تسقط في مكانها لتُكمل دائرة الندم والحنين.
النهاية جاءت حكيمة وموجعة في آنٍ معًا، إذ تختصر المعنى كله بقولها: “سقط منّي سهوًا عمرٌ كامل.” بهذه العبارة تختم الكاتبة نصّها الذي يتجاوز الخاطرة ليغدو اعترافًا إنسانيًا عميقًا عنّا جميعًا، نحن الذين نكتشف متأخرين أن الحياة لم تكن فيما أنجزناه، بل فيما أهملناه سهوًا.
النص مكتمل الأركان من حيث المشاعر والطرح الصادق، وإن لم يكن قصة تقليدية، فهو قصة وجدانية ناضجة مكتوبة بوعي فني جميل، تصلح للنشر في زاوية “تأملات إنسانية” أو “قصة قصيرة فلسفية”.






































