آخر النّبض
كانت تستيقظُ قبل أن يطلعَ الفجر،
وجهُها قناعٌ، والحربُ لم تهدأ.
فنجانُ شايٍ يرتجفُ بين يديها،
أحلامُها صارت غبارًا، وحياتُها بلا ملامح.
المرآةُ تعرفُ ما تُخفي،
والكدماتُ جراحٌ لم تندمل.
تهمسُ كي لا يسمعها أحد:
«ما زلتُ حيّة… وإن بالكاد هنا».
كان يتكلّمُ بصوتٍ هادئٍ وقاسٍ،
كلُّ كلمةٍ قيد، وكلُّ نظرةٍ قانون.
يمدحُ فستانها، ثمّ يلوِي ذراعَها،
يسمّي الغضبَ حبًّا، ويسمّي الحبَّ نِعمةً.
تعلّمت أن تضحكَ ممّا يُوجِع،
أن تُخفي ما قد تفضحُه الحقيقة.
فالصّمتُ ثمنُ السّلام،
والأملُ شبحٌ لا يغيب.
تعدّ الخطوات، تخافُ كلَّ صوت،
صريرَ الأرض، أو التفاتةً في الظّلام.
قلبُها قفصٌ صغير،
نورٌ يخبو، وغضبٌ خافت.
تحلمُ بأبوابٍ تُفتحُ على مصاريعها،
بأن تركضَ، بأن تختارَ طريقَها.
لكنَّ الخوفَ يُمسكُها بأصابعه،
يهمسُ بالأكاذيب الّتي حفظتْها عن ظهر قلب.
اللّيلُ طويل، والنَّفَسُ ضيّق،
دموعُها ترسمُ الجدارَ الهشّ.
تتبعُ الشّقوقَ كأنّها عروق،
تحملُ وجعَها المكنون.
تسألُ نفسها:
«متى تلاشى وجهي؟
متى سلّمتُ الحياةَ الّتي صنعتُها؟»
السّاعةُ تمضي، لا تبالي،
تعدّ السّاعاتِ الضّائعة في اليأس.
وفي صباحٍ بعيد،
لم يعُد الفجرُ كاذبًا.
انشقّت الغيومُ، عاليةً، صافيةً،
وقفت تُصغي إلى النّور،
وشيءٌ في داخلها نهض — إرادةُ القتال.
كانت ترتجفُ،
لكنّ الحرّيّةَ تشتعلُ في وجنتيها.
أدارت المفتاح، أغلقت الباب،
وأقسمت ألّا تعود.
مرّت سنون، وابتسامتها صادقة،
جراحُها تعلّمت فنَّ الشّفاء.
تمشي بسلام، وإن بقيت أشباح،
قوةٌ أرقّ… وُلدت من الألم.
وحين تنظرُ في عيني امرأةٍ أخرى
تُخفي ما تُخفيه هي، وتكتمُ الصّرخة،
تمسكُ يدَها وتقولُ برفق:
«بوسعِكِ أن تهربي…
بوسعِكِ أن تجدي أيّامَكِ من جديد».
الأمجد العبيدي






































