الدّردَشَـةُ المَسَائِيَّـةُ
24
1
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّاكِنُ فِيَّ
سَمِعتُكَ مِرَارًا تَهمِسُ
في أُذُنِ الأَرضِ
أَنتِ بَيتِيَ الكَبيرُ
ُوَحَقلِيَ المُثِير
أَنتِ بَيتٌ بِلا أَبـوَابٍ
بِلا مَفَـاتِيحَ بِلا قِفلٍ مَوصَدٍ
أنتِ الحَصَادُ الوَفِيرُ
وَالرِّزقُ وَتَعوِيذَةُ البِشَارَهْ
الدَّاخِلُ في تَفَـاصِيلِكِ يُصَلِّي
مَحمُولًا على الدَّهَشَـةِ
مُعجَبًـا
وَالخَارِجُ مِنكِ مُشتَاقٌ
يَدَاهُ مُمتَلئَتَـانِ نِعَمًـا
الكَافِرُ بِـكِ هَـالِـكٌ
وَبِكِ غيرُ جَدِيرُ
أَجِيبِي عَن سُؤَالِ طِفلٍ
كَيفَ الوَفَـاءُ ؟
كَيفَ الشُّكرُ وَالتَّقدِيرُ ؟
2
أَنتِ أَحلامُ جَدِّي مُنذُ الطُفُولَـهْ
أَنتِ عِرزَالُـهُ والسَّرِيرُ
لُقمَـةُ العَيشِ أنتِ
وَلَذَّتُـهُ حتَّى المَوتِ
عَاشَ طَوِيلًا
مِنكِ المَنَاعَـهْ
قَضَى العُمرَ في فَضَائِكِ الرَّحبِ
أَطلَقَ العَنَـانِ للجَسَدِ فَاعِـلًا
مَرفُوعَ الرَّأسِ
يُنَاجِي اللهَ
وَحَبَّةَ التُّرَابِ
يَدٌ على المِحرَاثِ
مِهمَازٌ في أُخرَى تُشِيرُ إلى بَقرَتَينِ
كَي لا تُخطِئَـا استِقامَةَ الثَّلْـمِ
3
جَدِّي مَـا كان يَومًـا
في الحَيَاةِ خَطًّـا مُتَعَرِّجًـا
وَلا كانَ إِلَّا صَادِقًـا وَفِيًّـا
للفَقِيرِ كانَ نَصِيرَا
وَإلى مَن يَرُدُّ الجَمِيلَ شَكُورَا
4
أَذكُرُ _
إلى الحَقلِ أَسرَعتُ كَعَادَتِي
حَامِـلًا لِجَدِّي إِبرِيقَ مَـاءِ
وَلَمَّـا من بَعِيدٍ رَآنِي
إتَّخَذَ الأرضَ مَقعَدًا يَستَرِيحُ
يَغسِلُ بالتُّرَابِ يَدَيـهِ
يُجَفِّفُهُمـا
بَِمَـا تَوَفَّـرَ مِنْ وَرَقِ الكرمَـةِ
_ جَدِّي
بالمَـٍاءِ أَغسِلْ يَدَيك
_ التُّرَابُ يَِـا ابني
شَاءَهُ رَبِّي نَقِيًّا طَهُورَا
التُّرَابُ تِبرٌ يُصَاغُ تَـاجًـا
يُكَلِّلُ رَأسَ مَن يَستَحِقُّ التَّكبِيرَا
التُّرَابُ يا ابنِي نِعمـةٌ
صَوْغُ المَــاءِ
لا فَرقَ إن غَسَلتُ يَدَيَّ
بالتُّرَابِ
أَوِ
المَـاءِ
أَلأَرضُ يَـا ابنِي خَيرُ مَشفًى
أَعشَـابُهَـا للدَّاءِ دَوَاءٌ
وَلا طَبِيبَ سِوَى اللهِ
5
_ سُبحَانَكَ جَدِّي
عَلَّمتَنِي في كِتَـابِ الحَقلِ
مَـا لَـمْ أَتَعَلَمْـهُ في مَدرَسَتِي
أَنتَ جَدِّي أُستَاذِي وَمُرشِدِي
تَقرَأُ عَلَيَّ مَزَامِيرَ الطَّبِيعَـةِ
تَقُولُ _
لا فَرقَ بَينَ الأَرضِ وَالطُّفُولَـةِ
كَمَـا لا فَرقَ بينَ غَيمَـةٍ تُمطِرُ مَـاءً
وَطُفُولَـةٍ تُمطِرُ بِيضَ الزَّنَـابِقِ
خُذِ الأرضَ امرَأَةً حَبِيبَِةً
إِعشَقْهَـا
كَمَـا الشَّمسُ تَعشَقُ النَّهَارَ
وَقَمَرٌ يُضَوِّئُ فَحمَـةَ اللَّيلِ
إعشَقْ كَمَـا يَقشَعُ النُّورُ الظَّلامَ
وَالرِّيحُ السَّحَـابَــا
مِن دَربِ النُّجُومِ
أَذكُرُ عُدتَ من رِحَابِ الحَقلِ
طِفلًا كَبِيرًا مِثلَ جَدِّكَ
عَاطِرًا كَزَهرَةٍ رَأَيتَهَـا تَنبِتُ
وَتنمُو في الصَّخرِ
6
أَيُّهَـا الطِّفلُ أَجِبنِي
بِعَفَويَّتِكَ المَعهُودَةِ _
لِمَـاذَا تُنصِتُ الطُّفُولَـةُ
إلى الطَّاعِنِينَ في السِنِّ
كَإِصغَـاءِ الأرضِ
إلى دَمعِ السَّحَـابِ؟
لِـمَ هٰذِي الطُّفُولَـةُ
تَبحَثُ في المِيـمِ
عَن مَعنَى اللَّامَعنَى
وَفي الضَّادِ عَن قَصِيدَةٍ عَصمَـاءَ ؟
لِمَـاذَا تَقرَأُنَـا السَّمَـاءُ
في كِتَـابِ الأَرضِ وَالطُّفُولَـةِ ؟
7
أَسئِلَـةٌ
وَأَسئِلَـةٌ تِلوَ أَسئِلـةٍ
وَالكَونُ في تَركِيبِـهِ سُؤَالٌ
وَلا جَوَابٌ إِلَّا في كِلْمَـةٍ
على ثَغرِ طِفلٍ يَقُولُ _
أُمِّي
يَومَهَـا أَدرَكتَ أَنَّكَ
تُنَادي أُمَّـكَ/الأرضَ
أَلأُمُّ آخِرُ حَبِيبَـةٍ
أَلأُمُّ أَوَّلُ حَبِيبَـةٍ
هَرَعتَ أَنتَ إلى تَقبِيلِهَـا
إِيمَـانًـا
أَنَّ الإِمتِلاءَ يُقَبِّلُ الإمتِلاءَ
أَنَّ الفَرَاغَ يُقَبِّلُ الهَبَـاءَ
8
أَيُّهَـا الطِّفلُ السَّاكِنُ فيَّ
عُدْ إلى حَرفِ المِيـمِ
مُحَمَّلًا بِمَـا حَمَّلَتْكَ أُمُّكَ الأرضُ
أَنتَ قُلتَ _
لَيسَتِ القَصِيدَةُ
سِوَى شَجَرَةِ الحُروفِ
لِكُلِّ حَرفٍ مَعنًى
للكَلِمَـةِ بَـاقَـةُ مَعَـانٍ
لا تُفهَـمُ إلَّا من خِلالِ السِّـيَاقِ
وَالتَّأوِيلُ على الدَّوَامِ
سَيِّدُ الإختِلافِ وَالإرجَـاءِ
تَمَـامًـا _
كالّذي يَرنُو مُعجَبًـا
إلى سَـاقِ امرَأةٍ
إلى مَطَارِحَ شَهِيَّـةٍ يَأخُذُهُ الخَيَالُ
تَتَكاثَـرُ الصُّوَرُ
تَقُودُهُ رَغبَـةٌ شَهَّـاءُ
من سـِـيَاقٍ إلى سَــاقٍ
إلى كِلْمَـةٍ/جُرحِ قَصِيدَةٍ
لا يَلتَئِـمُ
إلى قَلَـمٍ
يَحفُرُ الحَرفَ في وَرقَـةٍ
إحتِفَـاءً بِقَـارئٍ
يَقرَأُ الحَرفَ أَكثَرَ غِبطَـةً
من فَرَحِ كَـاتِبِـهِ ..
مـيشَـال سـعـــادة
مـسَاء السبت 15/11/205






































