ٱخر رسالة.
الإهداء:إلى خريف عبث بالجمال ورحل.
“يومها،صوّر لي حبّك عالما سحريّا غير هذا العالم…فنبت لي جناحان بريش شديد النّعومة.ناعمان.كأحلامي الجديدة اللّينة.. الّتي حلّقت بي فنزلت ضيفة بين الأنجم والشّهب..ولمعت عيناي كنجمتين في سماء صافية صفاء فرحتي حين همست لي “أحبّك أعبدك”.فتعطّرت صباحاتي ب”صباح الخير مولاتي ..صباح الخير ٱسرتي…صباح الخير ملكتي……” فظننتني ملاكا يلمس السّماء..ويقبّل القمر..ويلفّ الشّمس بحضنه ..السّاخن عشقا حراقا ألهب الفؤاد، فأمسى كسراج وهّاج..ينير لي كلّ الدّروب…ويقود قدمي إليك..
كان ذلك في بداية الخريف،ولملمة الصّيف لأثوابه الّتي هتكت الشّمس جمال ألوانها فبهت سحر الشّماسي على الشّواطى..وانشغل الموج بتجديد جحافل عبابه،وتطهيرها..بشنّ غارات مدّ وجزر،وفرّ وكرّ..وباتت الرّمال باكية لفراق أحبّة هنا تواعدوا أو هناك همسوا بكلمات حبّ،سريعا ما داسها الموج الغادر فمحى كلّ الأسماء،وبذلك مسح كلّ الذّكريات الّتي كانت كأطياف الرّؤى في أحداق طفل بين أجنحة السّبات.
رحت ألقي آخر نظرة على البحر..فرأيتك تلقي بصنارتك في الماء ..ولا تملّ..حتّى وقع قلبي في شص عينيك الجميلتين..ونزعتني من بحر الهدوء إلى ميناء الانتظار..وتكرّرت لقاءاتنا..فلم يعد الشّاطئ يسع فرحتي..بحبّك. فامتدّت إلى الحدائق والمقاهي، والأماكن الجميلة..أرسم أوّل حرفين من إسمينا على الأغصان،وجذوع الأشجار.والمقاعد الخشبيّة..وأصرخ في دروبنا الخالية….أحبّك.. أحبّك.. أحبّك.فيردّد الصّدى صوتي ..وتجيبني أعشقك ..أعبدك ..يا مولاتي..فتختلط قهقهاتي مع رجع الصّدى شاهدا على هذا الميثاق المتين..
يومها،حطّ في أحشائي الرّبيع،فأصابتني جذوة شبابه السّاحرة..فصار خدّي أسيلا..وخصري نحيلا..وشعري سنابل قمح قد نضجت في سوقها،،وألهبت عيون الحاصدين..وقلوب البيادر في موسم محصوله وفير…
يومها حلفت لي أنّك لي،،وحلفت لي أنّك ملك يميني..وحلفت أنّك حبيبي لوحدي…وكان قسمك غليظا..متينا..وشددت على أصابعي وحضنت كفي بين كفّيك..وغبنا في همسات ..ونظرات..وقبلات..يومها همست أنّ القلب بين جنبيك ينبض بي..يدقّ برنين إسمي. ..حبّا وعشقا وهياما..وناداني حضنك وهو يترفّق بي أنّه مسكني. وأيكي الّذي تستظلّ به ..وأنّ حضني جنّة خالدة لحبّنا….وهمت بك كمجنونة تبحث عن عقلها..واقتفيت ٱثار خطواتك..وأحببت أماكن لقيانا،تعصر لي فيها من كلمات الهيام نبيذا مسكرا…
أعلمتني بسفرك المفاجئ…وبكيت على كتفيك ما لم أبك..وطال غيابك رغم أنّ أسبوعا لم يكتمل..
ورحت ذات عصر ..وقد دفعني الشّوق إليك..وأنت غائب عن عيني…أكتب قصائد حبّ لأوّل مكان جمعنا..على وجه الشّاطئ.
رأيتكما معا. نعم رأيتكما معا…عيناك في عينيها..
كفّاك قد غمرا كفّيها..تتحدّيان الشّوق بالقبلات..بالهمسات..بالنّظرات..
ألم تقل حبيبتي ساسافر؟….ألم تقل كلاما كثيرا..وتسقط دموعك خوفا من البعاد؟
ماهر أنت في خداعي..بارع في تقمّص دور العاشق.. حين قلت حبيبتي أنا مسافر وسأشتاق..
فعلا لقد سافرت من قلبي..من عيوني .من جفوني من لهيب الشّوق..من حياتي إلى غير رجعة.
..ونسيت حبّي كلّه،،، وجريت في خطوات متعثّرة،، ثقيلة موجعة وعبراتي تصرخ :”ليتني ما أحببتك يوما!.”
حبيبتك المخدوعة.
وضعت الرّسالة تحت باب شقّته وعدت إلى البيت محمولة في جنازة يشيّعها الحزن الى المجهول.فقد بات العالم من حولي لا يمتّ
لي بصلة….لأنّه كان باختصار شديد كلّ العالم.
لم أقدر على نسيانه رغم جرحي العميق .وحقدي الكبير عليه،واقتفيت آثاره أياما وأياما..ووجع يشقّ صدري وقد أريق دمي على الدّروب الّتي كانت عوسجا أتلذّذ المشي عليه لعلّ قلبي يتوب من هواه..وما هي إلّا أيام حتى وجدت معه فتاة أخرى غير الّتي رأيتها معه..أمّا الأولى فما زالت مثلي تقتفي خطى حب خادع..كسراب كاذب في يوم صيفيّ قائض.
شكت لي ما ألمّ بها من وجع. ورويت لها آهاتي..وجرحي النّازف.
تعمّدنا انتظاره مع حبيبته المخدوعة الثّالثة..واستأذناهما بالجلوس معهما،فاصفرّ وجهه وبان عليه الارتباك،وتقطّعت كلماته..وهو يحاول التّملص..لكنّنا حاصرناه من كلّ الجهّات..وسردنا على مسمعها الاسطوانة المعروفة الّتي كان يسحرنا بها…وأريناها رسائل الحبّ الصّباحيّة والمسائيّة وصوره الشّخصيّة.
صاحت متألّمة:”هي نسخ مطابقة للإصل تستنسخها لكلّ أنثى أيّها اللعين.. كخيوط عنكبوت..يلفّها على ضحيته حتّى يسهل صيدها..
سكبت على وجهه وملابسه المشروب..وغادرت معنا لاعنة الصّدف الّتي جمعتها به.
اشتركنا في نفس المقلب الّذي جمعنا لنصبح صديقات حميمات..نتندّر كلّما التقينا بتلك الخيبات الّتي محت وجعها الأيام.






































