بقلم … للاإيمان الشباني
.كلام الله منهج حياة …
القرآن الكريم مصدر هداية ومنهج حياة، والتّعامل معه لا ينبغي أن يكون سطحيّاً أو عشوائيّاً، ويتطلّب فهماً عميقاً وإدراكاً شاملاً لأبعاده المتعدّدة. ومن هنا فإن التّعامل مع القرآن ينقسم إلى ثلاثة أقسام متكاملة، لا يستغني أحدها عن الآخر، وهي: أدب التّعامل مع القرآن، وشريعة القرآن، ولسان القرآن.
أمّا أدب التّعامل مع القرآن، فهو الجانب الأخلاقي والرّوحي الّذي يُهيّئ القلب والعقل لتلقّي كلام الله تعالى كما ينبغي، فالأدب معه يبدأ من لحظة النّيّة، فالنّيّة في التّعامل مع القرآن يجب أن تكون خالصة لوجه الله، لا رياءً ولا سمعة، ثمّ يتجلّى الأدب في الطّهارة الظّاهرة والباطنة، فالطّهارة الجسديّة تعبير عن الاحترام، والطّهارة القلبية هي الّتي تؤهل العبد للفهم والتّأمّل والتّدبّر. يشمل الأدب أيضاً حسن الاستماع، وخفض الصّوت، وتوقير الكلام الإلهي، فلا يُقرأ القرآن كما تُقرأ الكتب الأخرى، إنما يُتلى بتأنٍّ وخشوع، ويُستشعر أنّ القارئ يخاطب كلام ربّه، ومن الأدب ألا يُعرض عن آياته أو يُجعل خلف الظّهر، وينبغي للعبد أن يفتح له قلبه وعقله، وينصت له بكلّ كيانه.
وأمّا شريعة القرآن فهي الجانب العمليّ والتّطبيقي الّذي يُترجم تعاليم القرآن إلى واقع حيّ. القرآن لم يُنزل ليكون كتاباً تُزيّن به الرّفوف أو يُقرأ للمناسبات، هو منهاج للحياة، فيه الأحكام الّتي تنظّم علاقة الإنسان بربّه وبنفسه وبالنّاس من حوله. تتجلّى شريعته في إقامة العدل، وإحقاق الحقّ، والتّمسّك بالقيم، والتّخلًق بالأخلاق الّتي دعا إليها القرآن، مثل الصّدق، والأمانة، والرّحمة، والعفّة، والصّبر، إنّه دعوة إلى إصلاح النّفس والمجتمع، ودعوة إلى بناء حضارة تقوم على التّقوى والمعرفة والعمل الصّالح. تطبيق شريعة القرآن لا يقتصر على الحدود والفرائض، يشمل كلّ ما يتعلق بحياة المسلم: في بيعه وشرائه، في أمانته وعهده، في أسرته ومجتمعه، في معاملاته وسلوكيّاته.
أما لسانه فهو الوسيلة الّتي يُفهم بها الخطاب الإلهي، وهو لسان عربيّ مبين، اختاره الله لحمل رسالته إلى البشر، إذ يعتبر التّمكّن من لسان القرآن لا يعني فقط معرفة معاني الكلمات، يشمل التًذوّق البلاغي، وفهم السّياق، والإدراك العميق لأساليب التّعبير القرآني الّتي تتنوّع بين القصص، والمواعظ، والأمثال، والحجج، والتّشريعات. لسان القرآن يحمل من الأسرار ما لا يُدرك إلا بالتّأمّل والتّدبّر، ولذلك فإنّ العناية باللّغة العربيّة تعد من أوجه التّعامل مع القرآن، ومن لا يتقن هذا اللسان قد يُحرم من كثير من كنوز الفهم والتّدبّر. معرفة لسان القرآن تساعد على الوقوف على دقّة التّعبير القرآني، وعلى الانسجام بين اللّفظ والمعنى، وعلى الإعجاز البياني الّذي تحدّى الله به العرب والعجم.
فإذا اجتمعت هذه الأقسام الثّلاثة في قلب المسلم وعقله، كان تعامله مع القرآن تعاملاً حقيقيّاً، يثمر نوراً في البصيرة، وهداية في الطّريق، وصلاحاً في الحال والمآل.
فمن جمع تأدّب التّعامل مع القرآن، والتزم بشريعته، وتذوّق بلاغة لسانه، كان من أهل القرآن الّذين هم أهل الله وخاصّته.
بقلم … للاإيمان الشباني






































