بقلم … بشرى طالبي
حديث الصّباح
حبّ في مهبِّ الرّيح …
استيقظت متأخّرة هذا الصّباح بعد سفر مرهق. أعددت الفطور في انتظار أن يستيقظ بقيّة أفراد العائلة.
“صباح الخير أمّي، اشتقت إليك كثيراً.”
قالها ابني بلسان موليير، وبدأ يسألني عن رحلتي، مستعرضاً قدرته على إتقان الحديث بالفرنسيّة وكأنّه ولد في عاصمة الأنوار.
“كان الأجدر بك أن تتقن الإنجليزيّة يا حبيبي، فالفرنسيّة لم تعد لغة التّواصل ولا تواكب التّطور التّكنولوجي. وقبل كلّ شيء، عليك أن تفتخر بأصلك ولغتك الأم وانتمائك لوطنك،” أجبته معاتبة.
فمنذ صغري لم أكن أُحبّذ التّحدث بالفرنسيّة خارج إطار الحصّة المخصّصة لها، وأعشق اللّغة العربيّة حتّى النّخاع، ولا يعنيني كثيراً أنّها باتت تمثّل فئة أصبحت مرادفة للذّلّ والخنوع، تُدعى العرب.
لكنّ جوابه كان صادماً عندما قال: “ماذا قدّم لي هذا الوطن؟!”
طفل في الثّانية عشرة من عمره يشكو ويتذمّر من حال الوطن!
“لقد قدّم لك أهمّ شيء، الأمن والأمان،” قلت له والحسرة بادية على محياي.
وهنا كانت صدمة أخرى، عندما أجابني: “بماذا تفسّرين إذن يا أمّي ما يحدث في الحوز؟ وما رأيك في موضوع الصّحة والتّعليم؟ يشيدون الملاعب بمواصفات عالميّة ومستشفياتنا تبدو كأنّّها من القرون الوسطى! ماذا تقولين عن تدنّي مستوى التّعليم واحتلاله المراتب الأخيرة في التّصنيف العالمي؟ الوطن يا أمّي ليس مجرّد بقعة أرض ننام فيها، الوطن أكبر من ذلك؛ عندما تنعدم المساواة ويغيب العدل ويسود الفساد، لا مجال للحديث عن الانتماء.”
وقفت مذهولة أمامه. كيف لطفل في هذا العمر أن يتكلّم بهذه الحرقة عن حال الوطن وينظر للواقع بعين تحلّل وتتساءل عن وضع بات مُحرجاً للغاية؟
لم أعرف بماذا أجيب، لقد حصرني في زاوية.
هل أفرح بصغيري وأفتخر بطريقة تفكيره الّتي تجاوزت سنّه، أم أحزن على حال وطني وما آل إليه؟
أخذته في حضني وضممته إليّ بقوة، ودموعي تُحرق خديّ على وطن بات حُبّه في مهبّ الرّيح في قلوب جيل صاعد لا يؤمن بازدواجيّة المعايير ولا يقبل سياسة الكيل بمكيالين.
بقلم … بشرى طالبي






































