بقلم … ميشـال سعــادة
يَموتُ حُبِّي …
حِينَ تَمُوتُ قَصيدَتِـي
دَردَشَـةٌ مَسَائِيَّـة
وَبَعضُ ارتِبَاك …
1_
بِئسَ هذِي الأبجَديَّـة
بِئسَ حُرُوفهَـا
حِينَ تُعانِي انفِصَامًـا في تَراكيبِهَـا
عِندَهَـا _
لا هَيبَـةَ ولا وَقَـار
ظاهِرَةُ المَوتِ تُفاجِئُنِـي
تَفرِضُ قدَاسَتَـهُ عَليَّ ، أفكَارًا
مَشَاعِرَ وَأَحَاسِيسَ ..
2_
يَمُوتُ أَحَدُنَـا نَهتَمُّ بـهِ
نَعتَني بـهِ
كأنَّنا نحنُ المَوتَى الّذين نُدفَنُ ..
لكِنْ _
ثَمَّـةَ شُعُورٌ يُلِحُّ
لولا الموتُ لما عَرَفنَـا أيَّ شَيءٍ
عَنِ الحضاراتِ القديمَـة
حيثُ مقابِرُ الإنسانِ القَديمِ
شَواهِدُ حَيَّـةٌ عَنِ الحياة
ونَعرِفُ أنَّ الآثارَ الخالدةَ آثارٌ جَنائِزيَّةٌ
تَروِي قِصَّةَ الحَياةِ والمَوتِ
رُبَّما لهذا _
كان السَّعيُ إلى الخلودِ بعدَ المَوتِ
فَمَـا سِرُّ المَوتِ إذَن ؟
3_
مِنَّا مَن يندفِعُ نحو الموتِ
بفَرَحٍ وغبطةٍ
وشجاعةِ السُّقوطِ في ميدانِ الشَّرفِ
حيثُ الجنَّةُ مَوطِئُ الأحلام
منًّا مَن يَتَوَرَّعُ ويُصلِّي أمام المدافن
خلاصًا من عذابِ الأرضِ
لأنَّ المقابرَ أماكنُ مقدَّسةٌ
ومخازِنُ لما أبدعَتهُ عبقريَّةُ الإنسان
السُّؤال _
هلِ المَوتُ رَحلَةُ مِيلادٍ آخَرَ ؟
4_
يا امرَأة _
يَمُوتُ حُبِّي
حينَ تَمُوتُ قَصِيدَتي
هل من علاقةٍ بين الكتابةِ
وَالموتِ والقصيدَة ؟
قد يكون المَوتُ
هذي الحقيقةَ الوحيدةَ
على أنَّ الكتابةَ تسعى
إلى مقبرةِ القصيدة …
نقُولُ _
المَوتُ يَمُوتُ ولا يَفنَى
وهذا الإنسانُ يُسافِرُ مَيتًا
لكنَّهُ يُسافِرُ حَيًّا
لم يُسافِرْ لِيَمُوتَ
سافرَ شَوقًـا إلى حُضنٍ مَجهُولٍ
وَلنَنعَتْ هذا الحُضنَ ما شِئنَا …
ثَمَّةَ قناعَةٌ أنَّ حُبِّي حينَ ماتَ
انطفأت نارُهُ ليشتَعِلَ في حُضنٍ آخَرَ
أنَّ قصيدتي تموتُ
حين يموتُ حُبِّي
تودِّعني مَعَانِيهَـا _
على سَفَرِ نحوَ قصيدةٍ أُخرَى
تُرى لم يمُتْ حُبِّي
لم تَمُتْ قصيدتي ؟
5_
ليس في المَوتِ فَناءٌ
ليس للقصيدةِ إلا غِيـابٌ مؤجَّلٌ
نمُوتُ على أملِ انبعَـاثٍ جديدٍ
المَوتُ هذا الإشكاليَّةُ العَصِيَّـةُ
” طفلٌ حديثُ الولادةِ
صغيرٌ يضعُ إصبَعَهُ في فمه .”
[ إريكو هورنونج ]
ليس الموت إلا ميلادًا وعودةً
قد يكُونُ للمَوتِ نهايةٌ مُؤقَّـةٌ
لميلادٍ جديد
قد نمُوتُ لأنّنا لا نملِكُ قُدرةً
على البقاءٍ هُنَـا
وقد يموتُ أيضًـا _
حبّي هُنَـا
لانّه يرفضُ البقاءَ هُنَـا
لكِنْ _
ثَمَّةَ بقاءٌ هُناكَ لا نختارُهُ أبَـدًا ..
6_
المَوتُ حُبٌّ
المَوتُ قَصِيدَةٌ
فلا نَـارٌ
ولا جنَّـةٌ
مُجَرَّدُ حَيَـاةٍ ثانيـةٍ
جِسرَاهَـا هذا الحُبُّ وهذي الكلمـةُ
صُنوَا هذا العُبُورِ
فلا حُبٌّ دُون كلمـةٍ
ولا كلمـةٌ دُون حُبٍّ
وَجهـانِ لوَاقِعٍ وَاحدٍ
نُحبُّ نتكلَّمُ نقُولُ
نُناجي محبوبًـا لا يتكلَّمُ
هكذا نُعاني جدليَّةَ العلاقةِ
بين الحبِّ والفطام
بين الغيابِ والإنتظارِ والنِّسيانِ
وحتَّى تداعي الأفكار ..
نُحبُّ الموتَ الهادئَ
لنتحرَّرَ من المَوت
نُحبُّ ولكن _
لا غيابَ إلا غيابَ الآخَر
الآخَر يرحلُ يُهاجرُ
أنا مَن يُقيمُ
الآخَرُ هاربٌ
أنا ثابتٌ ، متأهِّبٌ Ms. ، مُنتظرٌ
ضميرُ المتكلِّمِ ” أنا ” دائمُ الحضُورِ
ضميرُ المخاطَبِ ” انت ” دائمُ الغيابِ
يبقى السُّؤالُ _
هل أُحِبُّ أكثَرَ مِمَّا أُحَبُّ ؟
7_
إشارةٌ هنا أكثَرُ من ضروريَّة _
تبنَّت المرأةُ ، عبر التَاريخِ
خطاب الغياب
الرّجلُ صيادٌ مُرتحلٌ
المرأةُ وفيَّةٌ .. تنتظرُ
الرّجلُ ساعٍ .. يُغازلُ
بنتظرُ ، لكنّها يُؤلمُهُ الإنتظار
يُحاولُ أن ينسى
لولا النِّسيانُ لمات
8_
أنا المُحِبُّ أرغبُ
أرغبُ دائِمًـا …
أليستِ الرّغبةُ هي ذاتُها سواء
في غياب المحبوبِ أو في حضورِه ؟
أنا المُحِبُّ محاصرٌ بين زمانين :
زمن الحضور وزمن الغياب
تُرى هذي اللغة لغتي
تُولد من غيابِ المحبوب ؟
هذا المحبوبُ الغائبُ
يُحدِّدُ خصوصيَّةَ رغبتي
وكلّما شعرت بخصوصيّة هذي الرّغبة
قلَّت قدرتي على تسميتِها
فلا بدَّ هنا من موتٍ
بين قوسَي الولادة والموت
إني أموت إذن
وأعرف أنّ في موتي قوةً ومناعةً
لتحيا حروفُ الأبجديَّةِ الّتي
تحتفظُ بأصوات الدّفينةِ العابرة
إلى حبيبةٍ ، ربّما توقظ هذي الأصواتَ
لكن _
ثَمَّةَ قناعةٌ لديَّ أنّي لن أموتَ
طالما آخرُ غائبٌ حاضرٌ
مَدعوٌّ إلى وليمةِ القراوَةِ الشّهيَّة
8_
يا امرأة
إني أكتبُ على الورقة اليابسة
لآخَرَ يقرأُ فتخضرُّ أغصانُ الكلماتِ
تأخذُ الثِّمار طريقَها إلى نكهةٍ
جديدةٍ متجدِّدة
أكتبُ ..
لا موتَ في الكتابةِ
في الكتابةِ وعدٌ وانتظارٌ
في الكتابةِ قصيدةٌ تستدعي القصائدَ
كأنَّ القصيدةَ > قَصُّ يَدٍ
على امتداد أُفُقٍ أزرقَ
يُواعِدً شَمسًا عندَ الأصيل
9_
أكتبُ ..
هذي الكتابةُ لكِ
ولنا لقاؤنا الأبديُّ
على صَهوَةِ سَحابَـة ..
10 _
أكتبُ ..
وأكتبُ كي لا نمُوتَ
وَإذا كانتِ الأرضُ ملاذَنَـا الآمنَ
فأنتِ تلكَ الجاذبيَّـة
بقلم … ميشـال سعــادة
الأربعاء 10/9/2025






































