رواية : “حجرة البورا” لسماح بني داود، بين الذاكرة الشعبية والبوح الإنساني.
سمير عياد
في زمن تتكاثر فيه الأصوات السردية وتتنوّع الأجناس الأدبية، تطلّ علينا الكاتبة والفنانة التشكيلية التونسية سماح بن داود بعملها الروائي “حجرة البورا – تسابيح العودة إلى موطن الزيتون” الصادر عن دار خيال للنشر.
رواية تحمل في طياتها مزيجا من التاريخ الشخصي والذاكرة الجماعية، وتعيدنا إلى أجواء الحارات القديمة حيث تتقاطع الأديان والثقافات وتتشابك المصائر الإنسانية.
تستهل الرواية حكايتها من خلال المخطوط الذي تعثر عليه امرأة مسنّة بمدينة القطار من ولاية قفصة التونسية، لتقودنا صفحاته إلى عالم البطلة أديرا لافورشي، وهي امرأة يهودية تعيش صراع الانتماء والهوية بين ما ورثته من تقاليد وما تختاره من مصير. ومن خلال هذه الشخصية تفتح الرواية بابا رحبا للتأمل في مسألة التعايش بين مختلف الطوائف و المعتقدات، وما يخلّفه الحب من آثار حين يتجاوز حدود الدين والعرق.
عنوان الرواية “حجرة البورا” له رمزية خاصة حيث كشف الكثير عن جوهر العمل. فرفع الحجرة ليس مجرد امتحان جسدي، بل رمزية للثقل الوجودي الذي يواجهه الإنسان حين يجد نفسه ممزقا بين إرادة الذات وضغط المجموعة.
هنا يبرز دور شخصية مختار الذي يقع في حب أديرا ليجد نفسه هو الآخر أمام امتحان الذاكرة والقدَر.
من الناحية السردية، تكتب سماح بن داود بلغة سردية و سلسة، متينة وشفافة، مشبعة بالصور الحسية والتفاصيل اليومية الدقيقة داخل الحارة و بين مختلف الشخصيات؛ من مأكولات الحارة إلى طقوسها وعاداتها. هذا التوثيق الدقيق يضفي على النص مسحة أنثروبولوجية، فيجعل القارئ يطلّ على جزء من الذاكرة التونسية المنسية. ومع ذلك قد يشعر القارئ أحيانا بالإفراط في الوصف، وهو ما يضيّع بعض الزخم الدرامي في لحظات بعينها.
أما عن الحبكة السردية، فهي تقوم على بناء مسترسل سلس يبدأ من الحاضر ليعود إلى الماضي، حيث تروى سيرة أديرا بعيون الآخرين. هذا الأسلوب يضفي على الرواية بعدا فلسفيا رمزيا يشد القارئ.
و بذلك ، فإنّ قوة الرواية تكمن في قدرتها على إثارة الأسئلة أكثر من تقديم الإجابات: ما معنى الهوية؟ هل الحب قادر على تجاوز الأديان؟ وهل يمكن للذاكرة أن تكون جسرا بين المختلفين ايديولوجيا و عرقيا و عقائديا بدل أن تكون جدارا يفصلهم؟
حجرة البورا عمل يضاف إلى رصيد الأدب التونسي المعاصر، ويبرهن أن السرد الروائي قادر على أن يجمع بين الجمالية الفنية والبحث في قضايا التعايش والهويّة.
هي رواية تستحق أن تُقرأ، لا فقط للاستمتاع بحكايتهاز، بل أيضا لما تطرحه من إشكالات ثقافية وفلسفية ما زالت راهنة في مجتمعاتنا.
كل الشكر للكاتبة الصديقة سماح بن داود لهذه التحفة الفنية الراقية في انتظار قادم اعمالها .






































