قصّة قصيرة بقلم: طارق حنفي، مفكر وأديب مصري
فجأة، اخترق ضوء مصابيح سيارة زجاج النّافذة الوحيدة وداهم الظّلام، ليكشف ما بدا كتمثال لشاب مغمض العينين، يجلس على بقايا مقعد بلاستيكي ممسكًا برأسه..
وكأنّ الضّوء الإشارة المتّفق عليها، صرخ التّمثال فجأة: وجدتها، وشقّ الصّمت..
ثمّ تحرّك وقطع السّكون، صفق باب المنزل القديم خلفه، انطلق يعدو بكلّ قوة صارخًا: وجدتها.
وقف أمام باب منزل خطيبته لحظات يلتقط أنفاسه، ثمّ ضغط على زرّ الجرس ضغطة مطوّلة حتّى فُتح الباب..
استقبله لسان والدتها بكلمات غير مفهومه لكنّها أصابت صدره بسهام مسمومة، ثمّ جذبته يد أخيها الصّغير تجاه غرفة الجلوس، لاحظ قدمها وهي تهرول لتتوارى داخل غرفة النّوم؛ أخذ قلبه يدقّ في سرعة..
دلف إلى الغرفة ارتطم بعين والدها الّذي يحدّق فيه بقوة، ممسكًا بعلبة قطيفة صغيرة في يده اليسرى، نفس العلبة الّتي احتوت -من قبل- على دبلة ومحبس الخطوبة، ترك جسده يتهاوى على أقرب مقعد إليه.
فتح والدها فمه ليتحدّث لكنّه بادره:
– لقد وجدت الحلّ.
– الحلّ الوحيد هو حلّ الخطبة.
– سأفي بكلّ وعودي، شقّة كبيرة وفرش حديث، وحياة رغيدة.
– كيف؟ كيف ستفعل ذلك؟
– سأقطع نفسي إلى نصفين.
– ماذا؟ لماذا؟
– لكي أستطيع العمل في مكانين في نفس الوقت.
ضاقت عين والدها وتجمّدت ملامحه لحظات ثمّ لانت، ترك العلبة من يده، ثمّ نهض وسار في اتّجاهه، ربّت على كتفه وتنهّد بارتياح: أرى أنّك قد نضجت أخيرا وبدأت تتفهّم الأمور بشكل صحيح..
أولاه ظهره عائدًا إلى مقعده، لاحظ -لأوّل مرة- أنّه يتحدّث -منذ البداية- مع الشّطر الأيسر -فقط- لوالدها الّذي رفع طرف قميصه بحركة عفوية؛ فأظهر جانب ظهره الأيسر.
عاد إلى منزله القديم، جلس على المقعد البلاستيك، يتذكّر ثناء والدها عليه فيشعر بالرّضا وتبدو على وجهه علامات السّرور..
تجهّم وجهه فجأة حين تذكّر ما رآه أسفل قميص والدها، آثار تقطيب جرح عمليّة بعرض جانبه من الخلف..
تساءل بينه وبين نفسه عن تلك العمليّة ومكانها؛ برقت عيناه فجأة وشهق، ثمّ تجهّم وجهه وتجمّدت ملامحه، أغمض عينيه وأمسك برأسه وساد الصّمت والسّكون.. والظّلام.






































