انـحراف
نصّ نثري
أُريدُ أَن أُغيِّـرَ الطّريقةَ والطّباعَ والطّريق
أَن أَصيرَ أَكثرَ سَذاجةً
مِن ذُبابةٍ تَنطحُ الـجدارَ الزّجاجيَّ
مرّاتٍ عديدة
أَمَلاً بالعبور إِلى حفلةٍ راقصةٍ
حولَ كعكةِ العيد
.
سأَنطحُ جدارَ غُرفتي مرّاتٍ عديدة
أَملاً بتوسيعِ نافذتي
ورؤيةِ العالـمِ كلّه دفعةً واحدة
.
لِأَعرفَ في أَيِّ وكرٍ
يَـجتمع اللّيل والنّهار
لكي يتفاوضا
على اقتسامِ الأَرضِ والنّفوذِ والبشر
.
ولـماذا لا يستطيلُ النّباتُ
إِلّا ونـحن نائمون
.
وما دامتِ الأَرضُ كرويّةً
فلماذا لا يَندلقُ البحرُ
على كوكبٍ مـجاور
.
أريد أَن أُصبحَ أَكثرَ جَهلًا
من الـحُكماءِ
الّذين لا يعرفونَ عن الـمدينةِ
إِلا ما تقولُ الكُتُب
.
أُريد أَن أَخرجَ
عن مَلالةِ الطّريقِ الـمستقيم
الّذي أَخذني من رحمِ أُمّي
ليوصِلَني بـحنانٍ إِلى الـمقبرةْ
.
فأَسلكُ الطّرقَ الّتي لا تَنضبطُ
بِقواعدِ الإِعراب
لكي أُزيِّنَ دفتري
بِبعضِ الدّوائرِ الـحمراء
الّتي يضعُها الـمُعلِّم أَحيانًا
وأَحيانًا تَرسـُمها إِشاراتُ الـمرورِ
لكي يتوقَّفَ العالـمُ قليلًا
عن قتلِ الـمُشاةِ
وذبحِ الـمسافات
.
أُريدُ أَن أُلوِّثَ البِئرَ كلّ يوم
كي لا أَرى خيالي
كيف يتركني ويغرق
حين تفترسهُ الطّحالبُ الـجائعة
.
سأَكتبُ كلَّ يومٍ قصيدةً
كي أَملأَ الورقَ
بالذّنوبِ والبكاء
.
كي أَملأَ الـحبرَ
بِالنّدم
وبالـحنين للرجوعِ
إِلى صمتِ الـمَحبرة
.
أُريد أَن أُخرِجَ الـماءَ
مِن ذاكرةِ النّملِ
كي يَظمأَ
فأَتعلَّم مِنهُ
كيفَ يُـعصَرُ الشّعير
.
سأَصيرُ أَكثرَ استهتارًا
من ماءِ الـمطر
الّذي يسيلُ كيفَما أَرادتْ له الطّريق
وسوف أُقَلِّدُ لامبالاته
حين لا يُـميِّزُ بينَ جَذرٍ وقبر
.
أُريد أَن أَكفَّ عن تأَمُّلِ الصّراعِ
بين النّارِ والـحطب
لأَنـّهما يـموتانِ معا
ولا شيءَ ينتصرُ سوى الوقت
ولا شيءَ يبقى سوى الرّماد
.
وسوف أَكُفُّ عن تَأَمُّلِ الصّراعِ
بين الزّمانِ وذلكَ الـجدارِ الأَبلَه
الّذي بَقيَ مِن الـمبنى التّاريـخيِّ العظيم
بعد أَن ماتَ السّقفُ
وماتَتِ الـجدرانُ الأخرى
وظلَّ وَحدَه واقفًا
فقط كي يلتقطَ صورةً تذكاريّةً
مع السّائحةِ العجوز
.
سوفَ أُصادقُ الباعةَ الـمُتجوِّلين
الّذين لا يكذبونَ إِلا حين يَبيعون
وأَتـخلَّى عن نُـخبةِ القوم
الّذين يكذبونَ في كلّ شيءٍ
حتّى حين يُباعون
.
سأَبتعدُ عن القصائدِ
الّتي تُـحاولُ أَن تَقلبَ الـحجارةَ
لكي تَكتشفَ ما تَـحتَها
.
وأَقتربُ من الأُغنياتِ الـهابِطة
الّتي أَرقُصُ لاإِراديًّا حين أَسـمعُها
.
سأَهجرُ الـمقاهي الـهادئةَ
وأَلـجأُ إِلى النّوادي الصّاخبةِ
فلا أَسـمعُ شيئًا
من هُـمومِ جليسي
على نفسِ الطّاولة
.
ولا أَفهمُ ما يقولُ الـمُغنِّي
عن الـحبِّ من النّظرةِ الأُولى
لأَنّني أَتبادلُ النّظراتِ مع الـحياةِ
منذُ نصفِ قرنٍ
فلا أَحبَّتني ولا أَحببتُها
.
سأَقضي مزيدًا من الوقت
مع الوحيدين من أَمثالي
.
كشجرة البرتقال الّتي انزرعتْ خطأً
بين ليمونتين
.
كتلك اللّمبة الـمحروقة
على الزّاوية الخلفيّة
لبيتٍ مهجور
.
كالـمفتاح الّذي ظلَّ
في صندوق الكراكيب
بعد خلع الباب وهدم الـجدار
.
كمسوَّدةٍ لقصيدةٍ
خرجتْ عن قواعد “الأَدب”
فظلَّتْ على الطّاولة
.
سأَتعلَّمُ كيف أَبكي بلا حَرج
لكي أَتذكَّرَ وقتما شِئتُ
كيف حَـملتُ أُمًي إِلى قَبرها
وكيفَ تركتُها للعتمةِ والتًراب
وكيفَ نَزعتُ العِقالَ الأَسودَ
والشّماغَ الأَحـمرَ
عن تاريخِ والدي
وكيفَ غَلَّفتُهُ بالبياضِ
فصارَ يُشبهُ الكفنْ
.
أُريدُ أَن أَحذفَ كلمةَ “الانتظار”
من قاموسي الـجديد
فأَتركُ الأَشياءَ تأتي كما شاءتْ
في مواعيدها
وإن لم يأْتِ شيءٌ فَلا بأْسَ أَيضًا
.
لـم يَنفعْني انتظارُ قوسِ قُزح
منذ أَن كَبُرت
ولـم يَنفعْني انتظارُ نـهاية الـمَمَرِّ
منذُ أَن مَلَلت
ولـم تَعشقْني امرأَةٌ على الطّريق
رغم أَنّني كنتُ أَقرأُ الـجريدةَ
مرّتين كلّ يوم
ورغمَ أَنّني قد عِشتُ العمرَ
منتظرًا
في صالةِ القادمين
.
سأَخرجُ من الـحياةِ
كما دخلتُ أَوَّلَ مرَّة
بلا غنائمَ بلا ذكريات
زائرا غَريب الأَطوارِ والـملامح
يَدخلُ الـمكانَ فلا يَراهُ أَحد
ويَـخرجُ مِن الـمكانِ
فلا يتركُ خَلفَه
حِسًّا
ولا مأْثرة
محمد مثقال الخضور // انـحراف






































