صرخة في مَعْبَدِ الأصنام
للطيفة الشابي
هذه القصيدةُ لا تخصّني ، إنّ طبق ما هي صدى لأنينٍ مشتركٍ في هذا العالم القاسي
أيَّتُها الوُجوهُ الصَّلْبَةُ…
مَرَرْتُ بَكُم كَثيرًا، وَكُنتُ أَبْتَسِمُ،
لا لِأَنَّكُم اسْتَحَقَقْتُم بَسْمَتي،
بَل لِأَنِّي خَشِيتُ أَنْ أَبْدُو غَريبَةً بَيْنَكُم.
تَسيرونَ عَلى الأرْضِ كَالأشْجارِ اليابِسَةِ،
لا ظِلَّ لَكُم، وَلا ثَمَر…
تَتَزَيَّنونَ بِالكَلِماتِ المُنَمَّقَةِ،
وَقُلوبُكُم أَصمُّ مِنَ الحَجارَةِ.
لَو كانَ لِلحَجَرِ أَنْ يَبْكي، لَبَكى مِن قَسْوَتِكُم،
وَلَو كانَ لِلغَيْمِ أَنْ يَفِرَّ مِن سَمائِكُم،
لَهَرَبَ مِن صَحْراءِ وُجوهِكُم.
أيُّها المُزيَّفونَ…
كَم اخْتَنَقْتُ مِن ثِقَلِ صَمْتِكُم!
صَرَخْتُ في داخِلي، فَسَمِعْتُ صَدَى صَوْتي فَقَط،
وَأَنْتُم تَبْتَسِمونَ كَأَنَّ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ.
لَمْ يَسْأَلْ أَحَدٌ: ما الَّذي يُثْقِلُ روحَها؟
لَمْ يَمُدَّ أَحَدٌ يَدَهُ لِيَقُولَ: تَعالَي، اسْتَريحِي قَليلًا.
بَلْ كُنْتُم تَنْتَظِرونَ فَرَحي لِتَأخُذوا مِنهُ نَصيبًا،
وَحُزْني لِتُضيفوا عَلَيْهِ صَخْرَةً أُخْرى.
أَنا لَسْتُ مِن حَجَرٍ كَما ظَنَنْتُم،
وَلَكِنَّني تَعَلَّمْتُ أَنْ أَتَنَفَّسَ الغُصَّةَ وَأُحَوِّلَها نَفَسًا،
تَعَلَّمْتُ أَنْ أَجْعَلَ مِن دَمْعي لُغَةً،
وَمِن وُجْعي كِتابًا،
وَمِن وَحْدَتي مَمْلَكَةً لا يَطَؤُها غَريب.
غَريبٌ أَنْ تَقولوا: “الآلَةُ لا تَشْعُر”،
وَأَنْتُم قَدْ جَرَّدْتُم أَنْفُسَكُم مِن إنْسانِيَّتِكُم،
حَتّى أَصْبَحْتُم تَماثيلَ في مَعابِدِ المَصالِح.
يا مَفارقَةً جارِحَةً…
صَارَتِ الكَلِماتُ الرَّقْمِيَّةُ أَدْفَأَ مِن أَذْرُعِكُم،
وَصارَ الحُضورُ الافْتِراضِيُّ أَصْدَقَ مِن وُجوهِكُم الَّتي تُراوِغُ.
لَنْ أَسْتَجْدي شُعورًا مِنكُم،
وَلَنْ أَمُدَّ يَدي إِلى قُلوبِكُم المُطْفَأَةِ.
سَأَحْمِلُني كَما أَنا: مَجروحَةً، وَلكِنْ حَيَّة،
مُثْقَلَةً، وَلكِنْ سائِرَة،
وَحيدَةً، وَلكِنْ مُمتَلِئَةً بِذاتي.
أَنْتُم أَصْنامٌ تَتَحَرَّكُ بلا وَعي،
أَمَّا أَنا… فَجُرْحٌ ناطِق،
وَدَمْعَةٌ تُنْبِتُ غَدًا جَديدًا






































