بقلم الشاعر … مؤيد نجم حنون طاهر
مُدُنٌ مِنْ عَتْمَةٍ …
يَنْغَلِقُ الجَفْنُ الأَخِيرُ لِلسَّمَاءِ،
فَتَتَنَفَّسُ الأَزِقَّةُ
بِأَنْفَاسٍ لَيْسَتْ لَهَا،
وَيَتَمَايَلُ الضَّوْءُ عَلَى أَعْمِدَةٍ
كَعُيُونِ تَمَاثِيلَ
تَلْعَنُ مَنْ يَرَاهَا.
مِنْ أَيِّ جُبٍّ انْسَكَبَ هَذَا اللَّيْلُ؟
أَمِنْ صَدْرِ رِيحٍ حَبِلَتْ بِرَمَادِ القُرُونِ؟
أَمْ مِنْ فَمِ جُرْحٍ قَدِيمٍ
يَقْطُرُ ظِلَالًا
وَيَضْحَكُ بِلَا صَوْتٍ؟
المَدِينَةُ،
نَهْرٌ أَعْمَى
يَبْتَلِعُ قَوَارِبَ المَارِّينَ،
وَالعَابِرُونَ،
أَصْدَاءٌ تَمْشِي فِي أَصْدَاءٍ،
يَبْحَثُونَ عَنْ وَجْهٍ لَمْ يُولَدْ،
وَعَنْ كَأْسٍ لَمْ تُـمْلَأْ،
وَيَهْجَعُونَ فِي قُبُورٍ
تَحْرُسُهَا قُبُورٌ أُخْرَى.
ثَمَّةَ أَجْسَادٌ
تَحْمِلُ عَلَى أَكْتَافِهَا أَجْنِحَةً مَكْسُورَةً،
تَتَدَلَّى مِنْهَا أَسَاوِرُ الصَّدَإِ،
وَثَغْرٌ كَانَ يَضْحَكُ يَوْمًا
صَارَ بَوَّابَةً لِلَّيْلٍ آخَرَ.
كُنْتُ أَذْكُرُ أَنَّ النَّهْرَ مَرَّ هُنَا،
وَأَنَّ طِفْلَةً عَلَّقَتْ عَلَى شُرْفَتِهَا قَوْسَ قُزَحٍ،
لَكِنَّ المَطَرَ جَفَّ فِي العُيُونِ،
وَصَارَتِ المِرْآةُ
مُجَرَّدَ جِدَارٍ
يَسْتَنْسِخُ وُجُوهَ الغِيَابِ.
المَوْتُ،
غَيْمَةٌ تَحْرُسُهَا يَدٌ مِنْ نَارٍ،
تَسْقِي المَدِينَةَ
حِبْرًا أَسْوَدَ،
وَيَكْتُبُ عَلَى جُدْرَانِهَا
أَسْمَاءً لَا تُقْرَأُ.
هُنَا،
رَجُلٌ بِلَا اسْمٍ،
يَبْتَسِمُ لِلشَّيْطَانِ كَأَنَّهُ ظِلُّهُ،
وَيَبِيعُ الحُقُولَ
مُقَابِلَ حُفْنَةِ أَقْدَامٍ تَائِهَةٍ،
ثُمَّ يَعُودُ
لِيَمْحُو أَثَرَهُ
بِابْتِسَامَةِ حَجَرٍ.
لَا أَحَدَ يَعْرِفُ
إِنْ كَانَ الفَجْرُ سَيَتَذَكَّرُ طَرِيقَهُ،
أَوْ أَنَّ الشَّمْسَ
مَا زَالَتْ مَوْجُودَةً خَلْفَ هَذَا اللَّيْلِ.
بقلم الشاعر … مؤيد نجم حنون طاهر
العراق






































